الجمعة، آذار/مارس 29، 2024
تصوير ميلاد لمع
تصوير ميلاد لمع

شاطئ البحر... مش لكل الناس

لبنان
خرجت السيارة من محطّة الوقود، وعلى سطحها بركةٌ صغيرة منتفخة للسباحة. شرحَتْ لي الأم أنّ هذا هو الحل البديل عن أخذ الأولاد للسباحة في المنتجعات التي حسب تعبيرها "ما بقى ينطالوا". تنوي الأم وضعَ بركة السباحة على الشرفة الضيّقة في منزلها المتواضع، حيث بإمكان أطفالها اللعب بالمياه والتمتّع بوقتٍ ترفيهيّ منزليّ ومجاني، بدل أن يحلموا أحلاماً مستحيلة مثل "بناء قصورٍ من الرمال ورؤية هذا البحر الكبير بأمّ أعينهم"، الذي تشرح معلّمتهم عنه بإسهاب في الصفوف الابتدائية.

لنضيف حلم هؤلاء الأطفال البسيط إلى بقية الأحلام المستحيلة التي يُمنَع المواطنون من تحقيقها أو حتى السؤال لماذا لم تتحقق في بلاد العجائب! في الواقع سعت الحكومات المتعاقبة لبلادنا، في خطة متسلسلة وممنهجة، إلى منع اللبنانيين من الولوج إلى شاطئهم الممتد على طول البلاد من شمالها إلى جنوبها. والجدير بالذكر، أنّ نظام المحاصصة الذي تطبقه حكومات ما بعد الطائف جعَلَ من الشاطىء منطقة يتقاسم ملكيتَها "بالأمر الواقع" النافذون الذين تحميهم أركان هذه السلطة ورجالاتها.

الرملة البيضاء تُقضم على مهل
لم يسلم شاطىء الرملة البيضاء من التعديات التي تحاول بلدية بيروت ومحافظها أن يسبغوا عليها طابعاً قانونيّاً. يمتد مشروع "الايدن باي" على مسافة غير قليلة من الشاطىء ويقضم أجزاءً من الرملة البيضاء لصالح من ينهبون الشعب وخزينة الدولة في الوقت نفسه. ويصرّ محافظ بيروت القاضي زياد شبيب على حماية هذا المشروع بكل الأشكال، كما يتطلّع إلى مشروع احتكاري جديد يضم أكشاكاً منتشرة على كورنيش عين المريسة، يعدم الحرية المجانية في ممارسة رياضة المشي ويحرم روّاد الكورنيش من التنزه بحرية. هذا بالإضافة إلى ضرب جمالية وطبيعة المكان. وعلى الرغم من أن هذا المشروع تم تجميده، إلّا أن الجمعيات المعنية تنوي التحرك والاحتجاج على المشروع الثلاثاء القادم في محاولة لمواجهة المعنيّين وتجنب تمرير الصفقة في غفلة ما.

"جل الملوخية" مستهدفٌ أيضاً!
يُعتبَر الشاطىء الممتد من الجية إلى الرميلة من أطول الشواطىء في لبنان. ولا يوجد غير منفذ واحد له بين المسابح المنتجعات المنتشرة فيه بكثرة. وهذا المنفذ عبارة عن مساحة صغيرة لأملاك خاصّة تُزرَع فيها الملوخية، يسير بمحازاتها المواطنون للوصول إلى الأبيض المتوسط مجانّاً. "جل الملوخية" هذا، والذي يقصده سكان المنطقة للوصول إلى الشاطئ، أصبح أيضاً ضمن آلة الرصد لرؤوس الأموال وأصحاب المنتجعات. حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون إشكالات بين أهالي المنطقة ورجال الأمن الذين يحاولون منعهم من الوصول إلى "ملوخيتهم".


قانون لمعالجة التعديات، ولكن...
صدر بتاريخ 26/7/2017 القانون المتعلق بممارسة الأشغال غير القانوني للأملاك البحرية، والذي يتضمّن ثلاث نقاط أساسية تتعلّق بتأمين تواصل الشاطىء مع الابقاء على حق وزارة الأشغال إنشاء او الإبقاء على أجزاء مفتوحة من الأملاك العامة البحرية المشغولة بترخيص أو المطلوب السماح بإشغالها، كممرات للوصول إلى الشاطىء البحري أو إلى البحر بغية المحافظة على وحدة تواصل الشاطىء، كما الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى الشاطىء البحري أو البحر. وحتّى الآن لم يُطبّق هذا القانون بشكلٍ جدي.

القاضي ابراهيم: مرتاحٌ إلى القانون إنّما "هززت العصا" لضمان تطبيقه
يعوّل المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم على القانون المذكور في تنظيم الأشغال غير القانوني وضمان حق الوصول إلى الشاطىء لجميع الناس من العريضة شمالاً وحتى الناقورة جنوباً. وشرح لـ"النداء" تعميمه الأخير على جميع المخافر البحرية على طول الشاطىء بشأن إلزام جميع المنتجعات أن تظهر تطبيقها لهذا القانون ودفع الرسوم المتوجّبة عليهم كتسوية للمخالفات، هذا بالإضافة إلى ترك معبرٍ حر للعامة.
وقد عقد ابراهيم اجتماعاً الاسبوع الماضي مع العقيدين المسؤولين عن محافظتي جبل لبنان والشمال من منطقة الأولي جنوباً وحتى العريضة شمالاً، بهدف متابعة تطبيق القانون. ولمس ابراهيم تجاوباً كبيراً، عل حدّ تعبيره، في هذا الإطار، حيث تقدّم العديد من أصحاب المنتجعات المخالِفة بطلبات إلى وزارة المالية لدفع مخالفاتهم، "إلّا أنهم حتى اللحظة لم يدفعوا فعليّاً.
وكشف ابراهيم لـ"النداء" عن نيّته معاينة جميع المنتجعات على طول الشاطىء اللبناني الأسبوع القادم، بغية التأكّد من أن جميع الناس يستطيعون الولوج إلى الشاطىء بشكلٍ مجانيّ "طولاً وعرضاً". كما أكّد ابراهيم على أن "أي خبر يرد في الإعلام عن أيّ مخالفة في الملف المالي يعتبره بمثابة إخبار إلى النيابة العامة المالية، ليباشر التحرك في الملف دون انتظار أي إحالات أو دعاوى بهذا الخصوص".

تحركات احتجاجية، إنّما "موسمية"
وكانت العديد من الجمعيات البيئية والمنظمات غير الحكومية بالإضافة إلى أحزاب ومنظمات شبابية قد قامت بعدة وقفات احتجاجية ضدّ إغلاق الدالية وإقامة مشروع منتجع الايدن باي على الرملة البيضاء، وغيرها من التحركات في العديد من المناطق. لكن هذه التحركات الاحتجاجية أتت كردّة فعل على خطوة اعتدائية جديدة من السلطة، وهو ما لا يكفي، بل يجب مواصلة هذه الاحتجاجات بشكلٍ ممنهجٍ وشامل، لتكون المواجهة ذات فعالية بوجه سلطةٍ تعدّت حدود اللامعقول في محاولاتها المتكرّرة لخنق المواطن اللبناني وحرمانه أدنى حقوقه على الصعد كافّة. وتجدر الإشارة إلى أن النموذج الأمثل للتحرّكات الأخيرة، هو عندما قامت مجموعة من الشابات والشباب بإزالة سياج الدالية بالقوة عام 2015. عرف المواطنون حقّهم فانتزعوه مردّدين "هذا البحر للناس"... لا بدّ لهذا النموذج أن يُحتذى به ويُستكمل، لا سيّما في ظلّ القانون الذي يكفل الحقّ بالولوج إلى الشاطئ.