الثلاثاء، نيسان/أبريل 16، 2024

"النازحون السوريون" وأساتذتهم... معاناة متعددة الأوجه

لبنان
الكبار يأكلون الحصرم، والصغار يضرسون"، هذا هو الحال في لبنان دوماً، في كافة الملفات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما التربوية... وأبرزها مشروع "تعليم النازحين السوريين"، وتداعياته على الطلاب والأساتذة المتعاقدين لتعليمهم في الدوام المسائي. تلك الفئة لم يكفها ما تعانيه من تهجير وضغوطات نفسية واقتصادية واجتماعية، إذ أن أكثر الأطفال منهم يعملون لتأمين لقمة العيش ومساعدة ذويهم، فكيف بالأحرى إن كان طالباً بدوام مسائي وعاملاً أيضاً!. أما معاناة أساتذتهم فليست أقل وطأة، فأبرزهم من حاملي الإجازات التعليمية، تخرجوا من جامعاتهم بانتظار فتح أبواب مجلس الخدمة المدنية لإجراء مباريات التثبيت، أو انتظار التعاقد، أو يأملون إنصافهم بعد نجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، وجدوا في هذا المشروع خلاصهم من البطالة، وإن بساعات تعاقد قليلة، لتأمين مصاريفهم الشخصية. وإذا بهم يكدسون الديون عليهم، بسبب عدم وفاء وزارة التربية بالتزاماتها، وحجز مستحقاتهم وتأخيرها. وقسم آخر... منهم أساتذة مثبتون أو متعاقدون صباحاً، وأجرهم لا يكفيهم فوجدوا في المشروع "طاقة فرج".


الدوام المأساوي...
وبما أن سياسة دمج الطلاب السوريين مع نظرائهم اللبنانيين فاشلة وشبه مستحيلة على الصعد كافة؛ إن لجهة عدم قدرة المدارس استيعاب هذا العدد الهائل من الطلاب، أو جرّاء التفاوت بين مناهج التعليم اللبنانية والسورية، إضافة إلى انقطاع بعض الطلاب عن الدراسة لمدة معينة من جهة، أو عدم تأسيسهم الصحيح في مراحل الصفوف الأولى "الروضات" التي لا وجود لها في هذا المشروع التعليمي إلاّ هذا العام وفي عدد قليل من المدارس، من جهة أخرى. لذا جاء الحل بفتح بعض المدارس الرسمية في عدة مناطق لبنانية أبوابها، لهذه الفئة من الطلاب، ولكن بدوام مسائي. فهل يعتبر الخيار الأمثل؟!
تراهم أطفالاً صغاراً، يقصدون المدرسة ظهراً، بالتزامن مع التوقيت الذي يعود به زملاؤهم في الدوام الصباحي إلى منازلهم، لتناول وجبة الغداء والاستعداد لإنجاز دروسهم. منهم من يأتي سيراً على الأقدام من مناطق بعيدة مما يعرضهم للمرض بسبب الشتاء أو للمخاطر، بالخصوص الأطفال لصغر سنهم. وآخرون يأتون في الباص لمن استطاع لأجرته سبيلاً، مع العلم أ في العام 2015 كانت النقليات مجانية وممولة من الجهات المانحة، ومن المفترض أيضاً تغطية نفقات النقل من قبل بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، التي لا تكلف نفسها العناء سوى الاتصال بإدارة المدرسة للحصول على أسماء عدد من الطلاب الذين لا يستطيعون تسديد تكلفة النقل، متجاهلين الوضع الاقتصادي المتردي لمعظمهم.
أما المشكلة الأكبر فتكمن في حال الطلاب بتلك الباصات التي تحتوي أعداداً تفوق سعتها، فمنهم من يجلس على حافة النافذة، والتي تُستخدم كأبواب نجاة يتدافع الطلاب للقفز منها عند الوصول، ومنهم في عمر لا يتجاوز السبع سنوات، دون رقيبٍ أو حسيب، وبالرغم من تطبيق قانون السير المفترض.

فرمانات متكررة...
عامٌ بعد عام، تنهال الفرمانات على الهيئة التعليمية والإدارية والطلابية أيضاً، وأبرزها يتعلق بتمديد العام الدراسي، أو ساعات الدوام، وآخرها التهديد بعدم بدء العام الدراسي. ويذكر أن الدوام الدراسي المخصص هو خمس حصص يومياً وعلى خمسة أيام، وتعطى استراحة بمعدل 15دقيقة، على أن يبدأ الدوام الثانية من بعد الظهر، حتى الساعة السادسة والنصف مساءً كحد أقصى.
أما بدعة التمديد فلا مفر منها، إذ أنها تطال العام الدراسي أحياناً، كما حصل في العام الماضي، والذي مدد إلى أواخر تموز ليتزامن مع أيام الصيف الحر وشهر رمضان، مما أثر على المهمة التعليمية، فمن المتعارف أن معظم الطلاب يمارسون طقوس الصيام، مما عرض البعض منهم إلى عدم استيعاب المواد في شهر الصيف من جهة، وشهر الصيام من جهة أخرى في آنٍ واحدٍ، وبدوام مسائي، لذا كان مصير البعض منهم التسرب الدراسي.
حينها أقدمت بعض المدارس، لحرصها على إنهاء المنهج الدراسي لكافة المواد وتعليم الـ 700 ساعة المطلوبة، على تعليم 6 أيام بدلاً من 5، و6 ساعات أيضاً، كي تجنب الطلاب تمديد العام الدراسي حتى منتصف الصيف المقبل.

لأنهم يستحقون...
تلك المعاناة لا تقتصر على توقيت الدوام، أنما تمتد أيضاً لتطال المنهج بين البلدين واختلافهما. إضافة إلى التغييرات التي طالت تحويل دراسة المواد العلمية إلى اللغة الإنجليزية، وعدم إمكانية أهالي التلامذة على مواكبة هذا التغيير ومساعدة أولادهم. كما تشملها أيضاً إهمال العديد من النازحين لأولادهم، إن لجهة عدم إلحاقهم بالمدارس، أو لجهة زجهم في سوق العمل، أو عدم متابعة دراستهم، أو تسجيلهم أيضاً في بعض الجمعيات التي تقدم نشاطات لا صفية أو دورات تعليمية عشوائية صباحاً، وبعضها بلغة فرنسية، مما يعيق قدرة استيعاب الطالب، أو مما يجعله على أن المدرسة وقت للتسلية.
"النداء" استطلعت آراء بعض الطلاب والأساتذة، ومنهم "هناء" بالصف الرابع أساسي، تشتاق إلى بلدها سوريا وعن العودة إليها تقول "راحت سوريا، نحن صرنا متل الفلسطينيين، لاجئين، بطل فينا نرجع"، هي تفضل الدوام الصباحي، "أول سنة كانت مدرستنا الصبح، كان أحلى الدوام وكنا نوصل عالبيت بالنهار. "اللبنانية" بيخلصوا مدرستهم قبلنا، ونحن بيدرسونا برمضان، وبنموت من الشوب والعطش".
هاجس هؤلاء التلامذة منطقياً 100 %، في بلاد لا وجود للمنطق في قاموسها أصلاً. فمن هؤلاء الأطفال تلامذةً درسوا في سوريا ويتوقون للعودة إلى المقاعد الدراسية فيها، يرتدون الزي المدرسي الموحد، مع طلاب يشبهونهم دون ما تمييز في المعاملة، أو الدوام...
هذا هو حال الطلاب النازحين السوريين، وبعض من مشاكلهم. فهل ستستمر هذه المعاناة، المزخرفة بغطاء الجهات المانحة، الذي تذهب نصف تقديماتها، وإن كانت مادية، في دهاليز بيروقراطية الوزرات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني؟ وهل المستفيد حقاً "أطفال سوريا"، الذين يستحقون العيش والتعليم والحياة والمساواة، دون منّة من أحد!

حقوق الأساتذة...
حال الأساتذة مشابه لطلابهم، وناهيك عن تداعيات الدوام المسائي عليهم، فهم يعلمون على أمل قبض مستحقاتهم كل ثلاثة أشهر، أي فصلياً، إلاّ أن السنة الدراسية تنتهي دون أن يتقاضوا أي شيء كما حصل هذا العام، إذ انتهى العام الدراسي في 27 أيار الماضي، وحصل الأساتذة على مرتب الفصل الأول في حزيران الماضي. وطبعاً بعد استنزاف واستخدام كافة طرق الاتصال بالمعنيين بالملف من وزير التربية إلى مساعده أو إلى المسؤولة عن الملف، وصولاً إلى أعضاء ورئيس رابطة التعليم الأساسي... وللمفارقة وخلافاً للعام الماضي، صدم الأساتذة بخبر إرسال الرواتب عن الفصل الثاني إلى البنك المركزي وبعض البنوك في تموز الماضي، إلاّ أن هذه الفرحة لم تكتمل أيضاً، إذ استتبع الخبر بتوضيح أن وزير التربية وقع جداول مئة مدرسة من أصل ثلاثمئة، على أن يستكمل توقيع الباقي عند عودته من السفر.
أما أصحاب الحظ الذهبي، الذين كانوا من ضمن المئة مدرسة، تفاجأ البعض منهم أيضاً بحسم عدد من ساعاتهم تراوحت بين 3 إلى 5 و13ساعة. وتسارعت الاجتهادات حول سبب هذا الغبن، وآخرها أن هذه الساعات المحسومة... هي الساعات التي ناوب الأستاذ/ة عن زميل/ة أثناء تغيبه.
الدوام المسائي أصبح عبئاً لدى بعض الأساتذة، بسبب المماطلة بقبض المستحقات، ومنهم يقول "الحماسة انعدمت بسبب انتظار معاشاتنا الموعودة، وتجاهل تعبنا وحقوقنا. فنحن لا نعتبر "متعاقدون" أو "مستعان بهم"، كأن لا محل لنا من الإعراب".
"دانيا" معلمة اللغة العربية تتحدث بحماسة عن تجربة تعليم السوريين، ولكن مصحوبة بغصة جرّاء الاستهتار بتعبهم وحقهم. وقالت "إن تحصيل العلم في الفترة المسائية يجعل من العملية التعلمية صعبة جداً بخاصة مع أطفال صغار، إن لجهة الأولاد أو من جهتنا نحن الأساتذة.."، شارحة المعاناة التي يعيشها الأساتذة "صحيح أن ما بذلناه من تعب مع طلابنا كان بدافع إنساني، ولكن، إنه من حقهم أن ينالوا فرصة للتّعلّم، كذلك من حقنا نحن من علمناهم الكثير أن نحصل على القليل، فنحن لنا أُسرنا التي تحتاجنا تماماً كما يحتاجنا طلابنا. فلقد بذلنا جهدنا لنكون خير معلمين لهم، ومفتشو الإرشاد والتوجيه التربوي يشهدون لنا بذلك ويثنوا على جهودنا. نحن أوفينا بوعودنا لطلابنا وأخذنا بيدهم إلى النجاح، ولكن من يأخذ بيدنا نحن الطبقة الكادحة؟ وهل سنبقى هكذا لا كرامة لنا عند المعنيين...؟".

*مجلة النداء العدد 320