الخميس، آذار/مارس 28، 2024

لحيتان المال نقول: تطلبون المال والمال لديكم، فادفعوه...

لبنان
يشكّل 13 كانون الثاني محطة من محطات الحراك الشعبي التي لها ما يميّزها عمّا سبق من تظاهرات واعتصامات، لجهة كونها تغطّي المناطق اللبنانية كافّة، وتعتبر منصة إنطلاق للتحضير للتظاهرة الشعبية المركزية التي ستجري في بيروت في 20 منه، هذا بالإضافة إلى كونها استكمالاً لتظاهرة 16 كانون الأول 2018 التي لم تكن مجرّد تسجيل موقف من تفاقم الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية، بل كانت خطوة متدرّجة في مسار حراك شعبي متصاعد وتدريجي.

وما نحن بصدده الآن هو العمل لبناء كتلة شعبية منظّمة ذات برنامج وقيادة قادرة على تحميل المسؤولية السياسية لهذا التحالف السلطوي – المالي المُمسك بهذا النظام السياسي الطائفي التبعي المولّد للأزمات التي تحاصر اللبنانيين من كل اتجاه، والذين كان ينقصهم هذه الأيام وقوع المزيد من المآسي، جرّاء ما خلّفته العاصفة "نورما" من خراب وخسائر في الممتلكات العامّة والخاصّة بسبب تردّي أوضاع البنية التحتية برغم كلّ ما دفعه اللبنانيون من أموال ذهبت بمعظمها إلى جيوب الفاسدين وبدون رقيب ولا حسيب.
ومظاهر هذه الأزمة تتجلّى اليوم بعجز الأكثرية النيابية الطائفية عن تشكيل حكومة قادرة على الحكم ومعالجة الأزمات وهذا ليس بجديد، فلطالما عجزت الأكثريات الطائفية التي سبقتها عن ذلك بغض النظر عن اصطفافاتها وعن صيغ الحكم التي اعتمدتها من صيغة عام 1943 إلى اتفاق الطائف فإلى اتفاق الدوحة وصولاً إلى الصفقة الرئاسية الأخيرة.
كما تتجلّى في تبعية هذا النظام لأوصيائه في الخارج، الذين تراجعت قدراتهم على توفير الدعم المالي كما كان في السابق. فالصراع السياسي والعسكري بين أوصياء الخارج على أشدّه، وقد انخرطوا في مستنقعه إلى أبعد الحدود وتغيّرت تركيبة أولوياتهم وجفّت مصادر دخلهم، فتراجعت استعداداتهم للمضيّ في تمويل للنظام اللبناني وأطرافه السياسية، وسط تعقّد بل غياب الطروحات المتاحة لديهم للدخول في تسويات سياسية حتى لترقيع الأزمة.
كما تتجلّى مظاهر هذه الأزمة - مع وصول النمط الاقتصادي الريعي إلى نهاياته - في إفساحها المجال أمام الولايات المتحدة الأميركية للضغط أكثر على لبنان وتوسيع نطاق العقوبات عليه واستخدام التهديدات الإسرائيلية العدوانية، بغية دفع لبنان للإنخراط في صفقة القرن وفرض توطين الفلسطينيين ومنع عودة النازحين السوريين....
لقد ضاق هامش المناورة أمام أطراف الحكم اللبناني، بسبب ضعفه وإرباكه وازدياد عجزه السياسي وتراجع تمويله الخارجي وتنامي مخاطر الإنهيار الاقتصادي الذي يحاولون تحميله للفئات الشعبية. وسوف تميل هذه الفئات نحو التحرّر التدريجي من آليات الإستتباع والخضوع التي تمارسها عليها أطراف السلطة، مما يوفّر فرصة موضوعية وذاتية لتصعيد الحراك الشعبي وصولاً إلى قيام كتلة شعبية وازنة، مع إدراكنا بوجود شروط لا بدّ من العمل على تحقيقها:
أولها: تظهير شعار الحراك الذي نخوضه بالسياسة: "إلى الشارع... للإنقاذ في مواجهة سياسة الانهيار"، للتحرّر من هذا النمط الاقتصادي الريعي التبعي وإلقاء تبعات سياسة الانهيار على التحالف السلطوي – المالي. وإذ نقول ذلك، فلكي نميّز أمام الرأي العام تحرّكنا الشعبي عن بقية التحرّكات منعاً للتشويش والبلبلة، بعد أن كثرت الشعارات وتعدّدت الدعوات للتحرّك في الشارع ما خلق ويخلق التباساً لدى عامة الناس. مع العلم أن بعض هذه التحرّكات مبرّر ومفهوم كنتيجة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية، ونحن ندعو للإنفتاح عليه والعمل معه توسيعاً لنطاق الحراك ودعماً لوحدته. ولكن بعضها الآخر يبدو غير بريء، كالذي دعت إليه أدوات السلطة (الاتحاد العمالي العام وحلفائه) ورفع شعار تشكيل حكومة المحاصصة لذرِّ الرماد في العيون وتصوير الأمر كلّه كأنه مشكلة تشكيل حكومة مع ما يحمله ذلك من مخاطر نقل خلافات أطراف السلطة إلى الشارع حيث لكلٍّ منها شارعها. وهذا ما دأبت هذه الأطراف على ممارسته لحرف الأنظار عن القضية الأساسية التي يعاني منها الشعب اللبناني، استخدام الخطاب الطائفي والصدام المذهبي لتخويف اللبنانيين من النزول إلى الشارع بهدف ضرب الحراك وتمرير مقرّرات سيدر وإلقاء تبعات الإنهيار على العمال والموظّفين والأجراء والمتقاعدين والفئات الدّنيا والمتوسطة من "الطبقة الوسطى"، ناهيك عن الفئات التي تعاني من ظاهرات الفقر والفقر المُدقع. ومثل هذا النهج القمعي تتحمّل مسؤوليته السلطة، فكثرة الضغط ستولّد الإنفجار وتدفع الحراك للإرتقاء بأشكال مواجهته للسلطة القمعية، ولا سيما إذا ما أقدمت على تنفيذ إجراءاتها غير الشعبية التي تجاهر باتخاذها.
ثانيها: إن تحرّك 13 كانون الثاني في كلِّ المناطق، يشكّل رسالة واضحة في التعبير عن هذا التمايز لجهة إبراز هويته الوطنية ورفضه للانقسامات الطائفية والمذهبية، وهذه الرسالة مفادها إن الكارثة الاقتصادية – الاجتماعية ستطال الأغلبية الساحقة من اللبنانيين وأن هؤلاء من خلال مشاركتهم في التظاهرات والاعتصامات في الوقت عينه وتحت شعار واحد وفي كلِّ المناطق قادرون على بناء وحدتهم للدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وشقّ الطريق نحو بناء دولة علمانية وديمقراطية، تؤمّن هذه الحقوق.
ثالثا: الإنفتاح على كلِّ القوى والشخصيات والهيئات التي شاركت على اختلاف مواقعها في تظاهرة 16 كانون الأول، مع السعي لتجميع ما تبقّى من قوى توافق على الشعار والبرنامج الذي طرحناه لحراكنا الشعبي، وعلى النزول إلى الشارع والعمل معاً كشركاء وأصحاب قضية واحدة، لتشكيل مرجعية وطنية نسعى من خلالها لبناء الكتلة الشعبية ونشكل لها أطراً قيادية تتولّى قيادة الحراك على صعيد المركز وفي كلِّ منطقة من المناطق. وبمقدار ما ننجح في بناء هذه الأطر، ننجح في تصعيد الحراك، مع قناعتنا – كحزب – أن مسؤولية سياسية كبرى تقع على عاتق هيئاتنا الوسطى ليس فقط في المشاركة في التحرّكات المركزية، بل كذلك في صياغة برامجها المحلية الخاصة بها ووضع خطط تحرك وإطلاق مبادرات لتعزيز علاقة منظمات الحزب وقطاعاته مع الناس وتشجيعها على التحرّر من تبعيتها لأحزاب السلطة. أن بناء الكتلة الشعبية الجامعة لكلِّ أطياف المتضرّرين من سياسات السلطة ونموذجها الاقتصادي المدمّر، يشكّل الفيصل الأهمّ والردّ الأمضى في مواجهة أنماط "الحلول" الفوقية وارتداداتها الاجتماعية التصفوية والإقصائية التي تتحضّر السلطة لاتخاذها.
رابعاً: أن هذه الكتلة الشعبية سوف تكون مطالبة بأن تشهر سيفها ليس لتعطيل كلّ من تلك "الحلول" فقط – واحداً بعد الآخر - بل أن تقدّم بديلاً لها في كلّ حالة على حدة، لتصبّ جميعها تحت شعار سياسي واحد هو: تغيير هذا النمط الاقتصادي الريعي وسلطته الفاسدة التي تتحمّل وحدها مسؤولية الإنهيار. لقد آن الأوان أن يدفع هذا التحالف السلطوي – المالي تكاليف هذا الإنهيار من الأرباح الهائلة التي كدّسها، وذلك عبر رفع صوتنا عالياً وتحت عنوان أساسي هو: استرجاع المال العام المنهوب من هذا التحالف وإعادته إلى الخزينة العامة، من خلال الغاء خدمة الدين العام المقتطعة سنوياً من الموازنة لجيوب أصحاب المصارف والشركات المالية الكبرى، وفرض نظام ضريبي تصاعدي - تصل معدلاته على الشطور العليا إلى 30% - على الدخل والأرباح والريوع المصرفية، ورفع السرّية المصرفية عن الحسابات المالية للمسؤولين الذين تعاقبوا على السلطة ومحاكمة المرتكبين الفاسدين.
فإلى الفاسدين نقول: تطلبون المال والمال لديكم، فادفعوه. إدفعوه لسد عجز الخزينة من جيوبكم فلم يعد من مال في جيوب اللبنانيين المُثقلين بالقروض والديون وفوائدها المرتفعة.
إدفعوه من جيوبكم بدل زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% إلى 15% وزيادة خمسة آلاف ليرة على سعر صفيحة البنزين، وزيادة فاتورة الكهرباء وتقليص الفاتورة الصحية، و"البطش" بنظام تقاعد العاملين في القطاع العام، واقتطاع عطاءات سلسلة الرتب والرواتب، و"ترشيق" حجم القطاع العام وضرب الوظيفة العامة وضرب حقوق المستأجرين وصغار المالكين.
إدفعوه لحماية قيمة احتياط تعويضات نهاية الخدمة العائدة إلى مئات الآلاف من العمال والأجراء والموظفين المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
إدفعوه لتنفيذ مشاريع مصانع الكهرباء وإصلاح شبكات نقل الطاقة الكهربائية وتصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص، ومن أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتخفيض سعر الدواء.
إدفعوه عبر إخضاع أصحاب المدارس الخاصة والأوقاف والمؤسسات الدينية للضريبة، وعبر وقف قنوات التهرب الضريبي والسطو على المال العام عبر الشركات القابضة ومزاريب الهدر والفساد في المرافئ والجمارك والمطار والمنطقة الحرّة (في المطار) وكهرباء لبنان ووزارتيْ الأشغال والاتصالات، وعبر المخالفات على الأملاك البحرية والنهرية والمشاعات والكازينو وغيرها.
إدفعوه عبر إقفال الصناديق العامة كمجلس الجنوب وصندوق المهجّرين ومجلس الإنماء والإعمار، وإغلاق دكاكين التعليم الخاصة المجانية التي يجري تمويلها من المال العام، ووقف التحويلات المالية إلى جمعيات وهميّة خاصة بحاشية المسؤولين وعبر تخفيض معاشات النواب والوزراء الحاليين والسابقين وكذلك التقديمات والمنافع الاجتماعية والتقاعدية الممنوحة إليهم، وإلى بعض كبار موظّفي الدولة.