الخميس، آذار/مارس 28، 2024

صرخة أطباء ضد إطلاق الرصاص الحي على شعب يتظاهر قهراً

  لور أيوب
لبنان
لم يكد العاملون والعاملات في القطاع الصحي في لبنان يلتقطون أنفاسهم بعد مجزرة بيروت التي خلّفت أكثر من 170 قتيلاً و6 آلاف جريح، هم المنهكون أصلاً بمواجهة فيروس كورونا، حتى أتت تظاهرة 8 آب مع مواجهات مع القوى الأمنية تسببت بمئات الجرحى. نقل الجرحى "الجدد" إلى المستشفيات مُعظمهم بعيون مفقوءة، وبإصابات خطيرة جرّاء الرصاص الحي والمطاطي الذي أطلقته عناصر مسلّحة على أجسادهم في محيط مجلس النواب.

الأطباء الّذين عاينوا الإصابات والتي تطلّب جزء كبير منها عمليات جراحيّة دقيقة، رفضوا التزام الصمت حيال هذه الجرائم التي تتنافى مع حقوق الإنسان والمواثيق الدوليّة التي التزم بها لبنان. لذلك، لجأت مجموعة من أطباء "القمصان البيض" إلى عقد مؤتمر صحافي يوم الخميس 13 آب 2020 في نادي الصحافة في فرن الشبّاك، شارك فيه أكثر من 10 أطباء. وهدف المؤتمر إلى تقديم شهاداتهم وعرض كُل ما لديهم من معلومات حول استخدام الرصاص الحيّ لقمع المتظاهرين، والرصاص المطاطي من مسافات قريبة، عدا عن الاستخدام المفرط للقنابل المسيّلة للدموع. وعرض الأطباء مخاطر هذه الممارسات التي ترتقي إلى محاولات القتل.

تجدر الإشارة إلى أنّه وإن نفت بعد هذه الأحداث كلّ من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني استخدامها للرصاص الحي لقمع المتظاهرين، إلّا أنّ الأعداد الهائلة لجرحى تظاهرة 8 آب من المصابين بالرصاص المطاطي من مسافات قريبة أو رصاص الخردق الذي يُستخدم لصيد الطيور والحيوانات البريّة، خير دليل على أنّ هناك مسلّحين استخدموا هذا الرصاص، وحتى اليوم لم نسمع بأنّ أحداً فتح تحقيقاً بالأمر.

كورونا فمجزرة بيروت فمصابو التظاهرات

الطبيب جورج غانم استهل الكلام بإلقاء كلمة باسم المجموعة اختصر فيها الضغوط التي يواجهها مؤخراً القطاع الصحي، وقال: "بعد جائحة كوفيد 19 والكارثة الاقتصاديّة التي حلّت بلبنان، كنّا نحن الأطباء استنزفنا كل قوانا يوم الثلاثاء 4 آب، ونحن نطبب الجرحى في الطوارئ وفي مواقف السيارات في المستشفيات وعلى الطرقات نظراً لهول الفاجعة وضخامة عدد الجرحى فضلاً عن الشهداء الّذين سقطوا بين أيدينا حيث لم تستطع كافة مستشفيات بيروت استيعاب 6000 جريح في وقت واحد". وأضاف، "في خضمّ هذه الواجبات، ما كاد الجسم الطبّي يُضمّد جراحه ويلملم أنفاسه بعد فاجعة 4 آب، حتى تدفّق إلى مستشفياتنا السبت 8 آب عشرات المواطنين المفقوئي الأعين بسبب الطلق المباشر، أو المصابين في صدورهم ووجوههم أو حتى في جمجمة الرأس أو حجرة القلب، هؤلاء المواطنين الّذين تدفقوا عفوياً لإدانة الكارثة التي أصابت مؤخراً أخوتهم في ساحة الشهداء ليعبّروا عن غضبهم ووجعهم".

أنواع الذخائر

ركّز الأطباء أثناء عرض انتهاكات القوى الأمنية بشكل أساسي على أنواع الذخائر المُستخدمة على أجساد المتظاهرين، وآثارها على الإنسان، وتم تحديد ثلاثة أنواع من الذخائر:

الرصاص المطاطي

أظهر الأطباء بأنّ الرصاص المطاطي تم إطلاقه من أمتار قليلة مباشرة على أجزاء عليا من أجساد المتظاهرين، وتم استهداف أعين المتظاهرين بهدف فقئها، وعلى الشفاه، وعلى أنحاء متعددة من الجسد كالقلب والرقبة والبطن. الجرّاح د. جهاد أشقر عرض على الشاشة صورة أشعة لشاب عمره 28 سنة، وتعرّض لإصابة برصاص مطاطي في وجهه من مسافة قريبة لا تتعدى العشرة أمتار. وتُظهر صورة الأشعة حسب شرح أشقر، أنّ "الشاب يُعاني من جرح بليغ في الجبين، وتفتت بليغ بعظمة الأنف وصفها بأنها "مطحونة بالكامل، وأدّت إصابة الشاب إلى كسر في جدار العين على الجهتين، وكسر في عظمة الجمجمة الأمامية والخلفية". واللافت بحسب د. أشقر أنّ هذه الإصابات غالباً ما نراها في حوادث السيارات القويّة. الشاب المصاب الذي تحدث عنه الجرّاح، "خضع لعملية جراحية دقيقة، لكن الخطر لم يزُل عنه بعد، إذ أنّه قد يتعرّض لمضاعفات في المستقبل تصل إلى حد الإصابة بالسحايا والتهابات بالسائل الموجود حول الدماغ". ووصف د. أشقر ما تعرّض له الشاب بـ "محاولة القتل". ولفت إلى أنّ الشاب تمكّن من إعطاء شهادته وهو يذكر جيداً أنّ الذي تعرّض له هو عنصر أمني يرتدي لباساً عسكرياً مرقطاً، وصوّب بندقيته تجاهه مباشرة من مسافة قريبة. من ناحيته، عرض جراح القلب والشرايين د. جان أبي يونس حالة إصابة شخص برصاصتين من نوع المطاط، إحداها خرقت خدّه والأخرى رقبته. ولفت إلى أنّ "مسافة إطلاق النار قريبة جداً تقل عن المترين، وما يدل على ذلك هو أنّ الغلاف الذي يُحيط الرصاصة المطاطيّة لم ينسلخ عنها وهو من المفترض أن ينسلخ بعدما تتجازو الطلقة مسافة المتر".

الخردق

أفاد د. رولان سيف خلال عرضه لصور أشعة وفوتوغرافيّة لأشخاص مُصابين بالخردق، أنّ الرصاصة تحتوي على حبيبات مصنوعة من المعادن الثقيلة، لذلك حين ترتطم بالجسد تنتشر في أعضاء متعددة فيه لتؤدّي إلى مخاطر مزمنة على الصحة. وأضاف د. سيف، أنّ "المعادن التي تدخل الجسد، أحياناً لا يمكن استخراجها جميعاً، فإنها تؤدي إلى أوجاع مزمنة وتعب وإرهاق مزمن، شعور بالحريق، ويقتل الخلايا العصبية، أو تتكدس في الجسم وتسبب جلطات دماغ وقلب". وأشار د. سيف إلى أنّه "من الضروري إدانة أي أنواع عنف سواء كانت رصاصاً مطاطياً أم ذخيرة حية".

ومن ناحيته لفت الطبيب في مستشفى الجامعة الأميركية رمزي علمي إلى أنّ يوم 8 آب دخل إلى طوارئ المستشفى 8 حالات، من بينها ثلاث حالات حرجة. وتكلم عن وصول شاب عمره 23 عاماً يُعاني من نزيف في البطن جراء إصابته بالخردق، إضافة إلى امتلاء الدم حول الطحال. وتطلب ذلك إجراء عملية جراحية عاجلة فقد خلالها ليتر من الدم، فطلبنا له 3 وحدات. د. علمي شدد على أنّ الخردق هو وسيلة للقتل.

القنابل المسيلة للدموع

ليست القنابل المسيلة للدموع قنابل غير خطيرة كما يعتقد البعض، وهذا كان محور شهادة الطبيب معين جمّال وهو اختصاصي بالطب الداخلي. عرض د. جمّال دراسات اُعدت في دول عدّة حول العالم على أشخاص استنشقوا الغاز المسيّل للدموع تبيّن في خلاصتها أنّ "10 بالمئة من مستنشقي الغاز معرّضون للإصابة بعطل دائم". ولفت إلى أنّ استنشاق الغاز المُسيّل للدموع قد يؤدي إلى "مشاكل مزمنة بالجهاز التنفسي، هذا غير الحروق وإصابات في العيون". ولفت إلى أن العوارض هي "ضيق في النّفس، سعال، شعور بالاختناق، وقصور بالنفس". والأخطر أنّ "الأشخاص الّذين يعانون من الحساسية والأمراض المزمنة قد يتعرضوا للموت".

عيون مفقوءة

كانت هذا الذخائر التي استخدمتها القوى الأمنية المسبّب الرئيسي لإصابة نحو 400 شخص خلال التظاهرات الأخيرة التي جرت في 8 آب وبعده، في عيونهم. هذا ما أكدته جرّاحة العيون ورئيسة جمعية أطباء العيون في لبنان دة. ندى جبّور لافتةً إلى أنّ "50 شخصاً دخلوا إلى غرفة العمليات، و15 شخصاً فقدوا عيونهم نهائياً، و8 حالات إصابات في كلتا العينين". دة. جبّور عددت أنواع الأذى الذي تسببه هذه الإصابات خلال عرضها لصور الأشعة لعشرات المُصابين، مشيرة إلى "تكرار حالة تعرّض شبكة العين للامتلاء بالدم، ومخاطرها أنّها تؤدي إلى "العين السوداء" ثُم مشاكل أبدية في الشبكة وأحياناً العمى". ولفتت إلى أنّ الحالات التي وصلت إلى المستشفيات لم تكن فقط إصابات في العين إنما في أيضاً في الأجزاء المحيطة. وعرضت صوراً شعاعية لأشخاص فقدوا عيونهم نهائياً، ومنهم من انطحنت أجزاء من عظام وجههم.

شهادة ضحية الرصاص المباشر: 4 رصاصات في جسدي

الشاب راي أبو موسى عرض أمام الحضور شهادته كمصاب خلال تظاهرة يوم 10 آب، وقال: "كنت يوم الأحد في وسط المدينة وتحديداً في شارع ويغان، وهناك لم يتواجد أيّ عناصر أمنيّة بينما كانت طلقات القنابل المسيلة للدموع تأتي من ناحية البرلمان. وحينها كنت أقوم برد قنابل المسيلة للدموع عنّي باستخدام راكيت. أول ضربة استهدفت فمي، فوقعت أرضاً ثم هممت بالوقوف لكن استمرّت الطلقات النارية باستهدافي، وبالنتيجة أُصبت بثلاث رصاصات إضافية، وكان الألم شديداً في فمي ولم أكن أعلم حقيقة أنّني أصبت بالرصاص اعتقدت فقط أنني أصبت بقنبلة مسيلة للدموع في فمي، بخاصّة وأنّه لم يتواجد عناصر أمنية على الأرض، وأُرجح أنّ من استهدفني كان يقف على أحد الأسطح". يُتابع الشاب، "توجهت نحو مجموعة من مكافحة الشغب تقف أمام أسواق بيروت وطلبت المساعدة والدماء تسيل من فمي، لكن أحد العناصر قام بدفعي مستخدماً درعه وقام بطردي".

صرخة لوقف هذه الجرائم

وطالب الطبيب د. سليم ناصر الجيش اللبناني بتحمّل مسؤولياته سائلاً قائد الجيش الجنرال جوزيف عون: "أنت رأيت هذه الجرائم، والآن شو بدّك تعمل؟".

وبدوره لخّص د. فادي حدّاد المشهد بالقول: "هذا الشعب تم استهدافه في فمه كي لا يقول الحقيقة أو في عينه حتى لا يرى الحقيقة أو في قلبه لحتى يقتله فيه آخر أمل له في هذا البلد". ولم يرد الطبيب حدّاد أن يتوجه بالكلام إلى المسؤولين لأنه "لا يوجد مسؤولين لنوجّه لهم الكلمة" بحسب تعبيره. فتوجه إلى الرب قائلاً: "يا رب كيف بعد بدّك تجربنا، ما عاد فينا نحمل، لا أحد يؤمن لنا لا السيادة ولا الاستقلال، لذا أمام ما يحصل فإننا نناشد تدخل المجتمع الدولي ليضع يده على لبنان".

وأطلق الأطباء صرخة للمطالبة بوقف استخدام الرصاص بكل أنواعه ضد المتظاهرين وأن تلتفت السلطة إلى المأساة التي يعانيها الشعب اللبناني والتي دفعته إلى النزول إلى الشارع وخاصّة بعد التفجير في المرفأ.

*المصدر: المفكرة القانونية