الخميس، آذار/مارس 28، 2024

رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية نصر الله لـ «اللواء»: الواقع ينذر بتسارع وتيرة الإنهيار مما يشكّل خطراً حقيقياً على لبنان

  سمار الترك - "اللواء"
لبنان
لا يستطيع أحد أن يضع خطاً هندسياً فاصلاً بين ما كابده الشعب اللبناني من مآسٍ وأزمات طبعت العام ٢٠٢٠؛ وبين سنة جديدة يمكننا التوقع أن تبدأ فيها «فكفكة» العقد التي تشابكت حتى وصلت إلى الإستعصاء!

فلبنان، كما يعلم الجميع، يعاني من أزمة سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية خطيرة، تعود أسبابها في المقام الأول، إلى تجذّر النظام الطائفي والمذهبي واعتماد النموذج الاقتصادي الريعي وإهمال مقصود للقطاعات المنتجة الذي أسهمت في ترسيخه الحكومات المتعاقبة منذ تسعينات القرن الماضي، مضافا إليه المحسوبيات ونهب المال العام بهدف الإثراء أو حشد الأزلام والأتباع...

نصر الله

بهذه الكلمات عبّرت رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية عائدة نصر الله عن تقييمها للعام 2020 ورؤيتها للعام الحالي.

«اللواء» التقتها، وكان الحوار الآتي:

{ كيف تقيّمين واقع ما نعيشه حالياً؟

- لا زراعة، لا صناعة، دين عام هائل، هبوط مرعب ومتطرد لقيمة الليرة مقابل الدولار، «تبخر» أموال المودعين، وضع اليد على القضاء، هندسات مالية تنمّ عن عدم مسؤولية أو اقتسام مغانم!! الواقع ينذر بتسارع وتيرة الوصول إلى الإنهيار الشامل وتعاظم أعداد الفقراء والجياع، مما يشكّل خطرا حقيقيا على أمن الناس وأرزاقهم، والأخطر، على مستقبل لبنان ووجوده الكياني.

هذا الوطن الصغير المحكوم، بفعل موقعه الجيوسياسي ودوره، بمجموعة من العوامل الإقليمية والدولية الشديدة التأثير عليه، يأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية واستمرار "إسرائيل" باحتلالها لأجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية، وسياسة العدو الصهيوني، المدعوم أميركيا، الهادفة إلى فرض التفوّق العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة بما يخدم السياسة الأميركية في صراعها مع إيران وروسيا، ويأتي في هذا السياق «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي عمل أربابه ويعملون على تفتيت المنطقة إلى كيانات طائفية ومذهبية متناحرة ضعيفة وتابعة، غير قادرة إلا على الرضوخ لإملاءات الإدارة الأميركية الداعمة للكيان الصهيوني لتمكينه من تنفيذ خطته في فرض ما سمّي بـ «صفقة القرن» الرامية إلى إنهاء القضية الفلسطينية وإلى ضم مزيد من الدول العربية إلى لائحة الدول المطبعة مع العدو.

هذا إضافة إلى الصراع بين القوى العظمى للإمساك بمفاصل المنطقة وبمقدراتها وثرواتها الطبيعية، وإلى شد الحبال الأميركي - الإيراني، والإيراني - الخليجي العربي، والحرب النازفة في سوريا واليمن، وانعكاس كل ذلك على لبنان.

{ برأيك، ماذا نشهد اليوم؟

- بعد الثورة الثقافية الفكرية الاجتماعية المدنية الديمقراطية التي شهدها لبنان في سبعينات القرن الماضي؛ نشهد اليوم تجذّرا للحالة الطائفية والمذهبية، وتفككا وصراعا مقيتا بين مكوّنات المجتمع عمّقتها عدة عوامل: منها ما هو داخلي ذو امتدادات خارجية أوصلت البلد إلى الحرب الأهلية التي انتهت باتفاق الطائف؛ ومنها ما له علاقة بواقع المنطقة الجيوسياسي والصراع على النفوذ وعلاقات القوة والغلبة الذي سبق وأشرنا إليه أعلاه وذلك وصولا إلى السيطرة المادية المباشرة على الموارد والمنافع وبغاية عقد الصفقات...

ثلاثون سنة من حكم ميليشيات أحزاب الطوائف أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من الانهيار والخواء في كل شيء:

الكهرباء والمحروقات والنفايات والسكن والإيجارات والغذاء والدواء والعلم والغلاء والبطالة والجوع... والـ «واتساب»، وهجرة  الفئات الشابة المتخصصة...

إنها مصاعب ومشكلات لشعب، تراكمت قواه التغييرية الديمقراطية في الماضي القريب نضالات (التحركات والتظاهرات من أجل استحداث قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، تلك المتعلقة بإسقاط النظام الطائفي وتحركات هيئة التنسيق النقابية ومعضلة النفايات...) شكّلت المد النضالي التراكمي والأرضية الصالحة لانطلاقة انتفاضة ١٧ تشرين.

{ ماذا عن انتفاضة 17 تشرين الأول؟

- انبثقت انتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ كلحظة ثورية حقيقية للإنتفاض على منظومة الفساد وسارقي المال العام أو سيّئي الإدارة، المنظومة التي طال أمد عبثها بلقمة عيش الناس وحقوقهم!!

... بحر من المنتفضين من كل الطوائف ابتعدت عن الزعيم الذي لم يقدّم لها  سوى التبعية والرضوخ...


أحدثت انتفاضة ١٧ تشرين ما لم تحدثه مئات المقالات وملايين الخطب وآلاف المؤتمرات!

واشتعلت نفوسنا بالأمل بإمكانية التخلص من نهج طوائفي متخلّف دفع بالبلد للانزلاق إلى الانهيار والمجهول...

{ إلى أي مدى فضحت «الكورونا» هشاشة النظام الصحي؟

- جاءت «كورونا» في ٢١ شباط ٢٠٢٠ لتضاعف قلق الناس وخوفهم، ليس على أرزاقهم ومعيشتهم وحسب، بل على صحتهم وحياتهم أيضا!

كيف لا وقد كشف «الكوفيد - ١٩» التقصير المرعب والهشاشة المقلقة في النظام الصحي اللبناني...

وحلّت كارثة المرفأ المشؤومة في الرابع من آب ٢٠٢٠ ، فحصدت مئات القتلى والجرحى وقوّضت نصف العاصمة وشرّدت الآلاف وخلّفت العديد من المعوقين والمفقودين، ودمّرت بيد غليظة  الجزء التراثي الأجمل من العاصمة وأحد مصادر فخرنا ببيروت وما تتميّز به من روعة وألق قلّ نظيرهما!

{ ماذا عن قضية المرأة وحقوقها؟

- هنا،لا بد من التأكيد أن «كورونا» ومستلزمات الحجر المنزلي قد زادتا من نسبة النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الأسري الذي أودى بحياة عدد غير قليل منهن، كما تضاعفت نسبة التزويج المبكر وبيع الأهل للفتيات الصغيرات بسبب الفقر، مما رسّخ التمييز والإجحاف والغبن التاريخي اللاحق بالنساء وأعادنا للغابر من الأيام...

{ كيف تلخصين المشهد؟

- في المحصلة أعتقد أن لبنان بما يمثل ويختزن، هو «واجب الوجود» في هذه المنطقة، ولا يعود ذلك إلى «فرادة» نظامه الطائفي «التعايشي» كما يشاع! بل لتميّزه بجملة من الخصائص أورد أهمها:

- موقعه كنافذة للشرق العربي وكصلة وصل جغرافية وثقافية وحضارية بين الشرق والغرب.

- القدر الكبير من الحرية في الفكر والقول والإعلام والكتابة هذه الحريات التي نتمسّك بها بكل ما أوتينا من قوة.

- المخزون الفكري والأدبي والفني والعلمي الذي سمح بتصنيفه يوما بمكتبة الشرق.

- لبنان أيضا، كان وسيستمر جامعة الشرق العربي الرائدة ومستشفاه المتطوّر.

- لبنان، مهما طالت كبوته وقست الضربات التي توجّه إليه رغبة في منفعة أو جهلا بطبيعة كيانه الذي يجدّد نفسه بتخليصها من غباء الجهلة ونوايا الفاسدين وطمع الجشعين، وغايات المتعصبين لانتماءاتهم الأولية من دينية أو طائفية أو عائلية أو عشائرية... ومن يدفعهم إلى ذلك!

- انتفاضة ١٧ تشرين راكمت وعيا وطنيا مدنيا ديمقراطيا واعدا، ولكنها إلى الآن لم تنضج حلا ناجعا للبلد تواجه به المنظومة الحاكمة.

وبرأيي، إن المنظومة الطائفية هذه، رغم أنها التقطت أنفاسها  واحتفظت بالعديد من نقاط قوتها بعد لأي من تلقيها ضربة من الانتفاضة خلخلت الأرض تحت أقدامها وفرضت نفسها عاملا أساسا مؤثرا في رسم مستقبل لبنان وتطوّره الديمقراطي.

وباعتقادي أيضا، أن ما سجلته المرأة الثائرة على وضع بلدها المأزوم كما على واقعها الأليم في انتفاضة ١٧ تشرين المجيدة سوف يسجله تاريخ الحركة النسائية اللبنانية كواحدة من أهم المحطات النضالية التي أسهمت في إبراز إمكانات المرأة اللبنانية ودورها حاضرا ومستقبلا، والذي سيسهم أيضا بتحقيق العديد من الإنجازات القانونية والاجتماعية لصالح المساواة بين الجنسين... ويأتي في مقدمة ذلك إقرار القانون المقدم لـ «منع الزواج المبكر»، والقانون المتعلق بالمساواة في قانون الجنسية لجهة حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني في إعطاء جنسيتها لأولادها، وتنزيه القوانين، ولا سيما قانون العقوبات من أي تمييز بين الجنسين... ويبقى الأهم، وهو إقرار قانون مدني موحّد ملزم للأحوال الشخصية في لبنان، بعد أن أصبحت الفئات الشابة شديدة القناعة بوجوب إقرار هذا القانون تبعا لأهميته في إيجاد مساحة من التقارب والالتقاء بين الطوائف والمذاهب، ولأهمية دوره في تحقيق المساواة القانونية بين الجنسين، وبين المواطنين رجالا ونساء فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية في الوطن الواحد.

{ هل من حل قريب؟

- أخشى أن لا حل قريبا، وخشيتي أكثر، من إنتاج تسوية سياسية تحمل في طياتها بذور حرب أهلية مقبلة!