الجمعة، نيسان/أبريل 19، 2024

هل تُرسم حدود الفدرلة بالنار؟

لبنان
لن تستطيع وسيلتان إعلاميتان ودخان الدواليب الأسود، وشعار مركّب بطريقة مشتبه فيه أن يصنع رأياً عاماً أو تكوينه، كما لن تستطع، بالمقابل، محاولة خطف شعب ومطالبه لتسخيرها في خدمة مشروع سياسي أصبح معلناً. هل بدأت عملية ترسيم حدود الفدراليات في لبنان؟ هل إعادة تشكيل السلطة في لبنان ماضية في هذا الاتجاه؟ ربّ قائل بأن حدود التقسيم ليست مستجدة، بل كانت مشروع حرب أهلية دفع الشعب اللبناني قسماً عزيزاً من أبنائه وقوداً لها. كما استجلب الخارج بعدته وعديده ليقيم بيننا، حَكَماً ومتسلّطاً وآمراً وناهياً، ربطاً بقابلية محلية للاستتباع، وجشع خارجي للهيمنة.


هو ذلك المشروع "المسخ"، غير القادر على الحياة، حتى ولو جُنّدت له كل جيوش العالم وعسسها. لا حدود الجغرافيا تسمح له ولا تقاطعات السياسة. فلماذا اللعب إذن في مربع استجلاب التوترات، وخدمة لأي مشروع.؟ إن الإجابة الواضحة عن ذلك لا يلزمها عناء كثير لفهمها؛ من يسمع ويشاهد سيجد الجواب. لقد رسم دخان الإطارات المحترقة حدود الكانتونات وشعاراتها؛ خطاب يرفض الطائفية بمزيد منها، ويرفض المناطقية بمزيد منها، ويخلط بين الرأي والموقف والشعار، فيصبح غياب رغيف الخبز صنو الحياد والاستشفاء صنو رفض الآخر والانقسام بشيطنة الخصم... يسعون لأن يصبح لكلّ ساحة أربابها وشعارها وفلكلورها، يجاهرون بالمحبة والأخوة والشعب الواحد والفرادة والسيادة والريادة... وهم يزحفون لكسب ودٍّ دبلوماسي غربي.
لماذا العبث على حدود الممنوع في وقت يُعمل على رسم خرائط للمنطقة من بوابة إعادة التشكيل؟ هل ما يجري تماهياً مع المشروع الأساس؟ فإذا كانت "التعليمة" كذلك، فمن يعلو صوته اليوم، استجلاباً لخارج، سيكون أول من سيدفع الثمن عندما يحين توزيع المغانم. هي منطقة شديدة التحوّل وسريعة، واللعب بنارها ستحرق الأخضر واليابس، فكيف إذا كان اللعب في الوقت المستقطع وبشعارات أكبر من قدرة مطلقيها؟ لسنا في موقع التوصيف، بل لشرح واقع أصبح مشوّهاً خلقياً ووظيفياً، لم تعد لهذا البلد مناعة داخلية، لقد انكشفت عورته غير المغطاة أصلاً؛ فمؤتمرهم التأسيسي ليس إلّا تسوية طائفية جديدة، ومنطق دعوتهم إلى بناء دولة ما هو إلّا غلبة لمنطق التحاصص والزبائنية، كما المطالبة بالفيديرالية والأمن الذاتي، والتي لن تؤدّي إلّا إلى تكريس تقسيم الوطن إلى كانتونات وخلق غيتويات مذهبية، وما استجداء الخارج للنجدة والحماية إلّا استكمالاً لما باتوا عليه فاعلين منذ قرن من الزمن... فهل إرهاصات هذا المشروع بدأت بالظهور؟
مناعة لبنان هي في قراره السياسي القائم على تغليب المصلحة الوطنية على مصالح الطوائف والمذاهب وأربابها. مصلحة لبنان هي في رفض استجداء الخارج، للحماية أو الرعاية أو الارتزاق. هنا سيستقيم الموقف؛ الضرب على رأس الأفعى لن يكون إلّا، بكسر مشاريع الهيمنة ورفض التبعية، وبإسقاط نظام الملل المتحكّم، ونظام رأس المال، ولن يكون أيضاً إلّا بحجر مافيات السياسة المرتزقين من قوت الشعب اللبناني ودمائه. الرقص فوق الدماء هي عادة من استسهل المتاجرة بتلك الدماء؛ تجار الهيكل ومرابوه بيننا، يفتون ويمضون، من غير رادع أو وازع. لسنا رعايا طوائفكم بل من الذين ما بخلوا ببذل الدم يوم كانت بيروت تُدكّ من عصابات الاحتلال الصهيوني، ولبّينا النداء إلى السلاح دفاعاً عن كلّ لبنان... واليوم يجب أن تكون كلّ ساحات لبنان لفقرائه وعماله وفلاحيه وموظفيه...، في وجه منظومتكم الحاكمة. وعليه سيستقيم الكلام وسيكون الفعل.
*عضو المكتب السياسي، مسؤول العلاقات السياسية في الحزب الشيوعي اللبناني