السبت، نيسان/أبريل 20، 2024

جاك وجوني بركات في الجميزة.. مضرّجان بالدماء كاملا الكرامة

  نادر فوز
لبنان
جاك وجوني بركات، وقعا يوم الأربعاء الماضي في قبضة عدد من مناصري حزب القوات اللبنانية في منطقة الجميّزة

جاك، القاصر، ابن الـ17 عاماً، انهالوا عليه بالضرب. جاك، الناشط في اتحاد الشباب الديمقراطي، ولدى خروجه من الشارع برفقة أخيه بفعل الإشكال الذي وقع، تعرّض للاعتداء على ثلاث مراحل. محطة أولى من الضرب، تلتها أخرى، وثالثة تخلّلها تصوير الفيديو الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إذلاله وترويع غيره من البشر. جاك تمّ الاعتداء عليه بالعصي والشفرات، كما ضُرب على رأسه بجعبة مليئة بمخازن الرشاشات. الطلقات موجودة، فإذاً السلاح موجود. أي منزل يكاد لا يخلو أساساً من سلاح فردي، فكيف الحال إذاً في مركز حزبي يجسّد واحدة من أبرز ميليشيات البلد في الحرب الأهلية؟

توهان في الجميزة

جاك القاصر، تاه في الجميزة. تراجع وجوني بعد الإشكال، وشعر جميع من كانوا في الشارع حينها بأنهم محاصرون. فحاولوا الخروج في أزقة صغيرة. تاهوا، فحصلت الاعتداءات. جوني لم يُضرب بقسوة، أما جاك فكان يلبس كوفية. "سب نصر الله، سب برّي". كان شتم حزب الله وحركة أمل وغيرها من الزمرة الحاكمة "شغّالاً" أساساً خلال المسيرة. نشتمهم، لما لا؟ سمن وعسل. نشتمهم، لكن في هذا المحيط الحزبي لا نشتم سواهم وسوى حلفائهم. هنا ثمة أبيض وأسود في السلطة. خير وشرّ. هنا ثمة حقيقة "مطلقة"، تماماً كالحال في المناطق الأخرى التي تمّ فيها الاعتداء على الناس والناشطين. لكن تبقى هذه الأزقة أزقة.

قديسو الشرق وشياطينه

في أحد أيام الحرب الأهلية، رفعت الجميزة وغيرها من المناطق شعار "نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه". وليس من مشكّك بأنّ في هذه الأحزاب، وسواها ومن يقفون على النقيض منها، قديسون وشياطين أيضاً. أو قديسون يخلعون رداء الرهبان ليمسكوا بشوكة إبليس. رأت الشياطين في جاك ضحية مثلى. قاصر، وحيد، تائه، خائف، "غريب"، فحامت حوله. ولو انقلبت الآية، ووقع "شيطان" وحيد بيد مجموعة من المناصرين الغاضبين، لكان بات قديساً، ضحية سهلة وهم الشياطين. يحدث. إشكالات مماثلة تقع. وسبق ووقعت، في مونو، في الخندق الغميق، في عين الرمانة، في الشياح، في الأشرفية نفسها. لكنّ جاك لا ينتمي إلى المحور المعادي، لا دخل له بكل هذا الغلّ.

السحسوح

أن ينتشر فيديو لقاصر وهو مضرّج بالدماء ويجبر على تقديم مواقف وشتم الكوفية أو سياسيين أو مسؤولين، هو الموضوع. تحقير وإذلال في منطق "بعد السحسوح". ليتخيّل طالب قواتي اعتدى على أحد هؤلاء الشبان، وهو محاط برفاق له، أن يتواجد وحيداً بين أيدي من مجموعة "مُعادية". ألا يشتم سمير جعجع بعد الضرب المبرح؟ ألا يشتم القوات تحت التهديد بالقتل؟ ألا ينسى "الشطبة" ويتمسّك بالصليب وحده للنجاة؟ لأصحاب منطق "السحسوح"، شرقية وغربية وجنوباً وبقاعاً لا فرق، يعتبرون أنفسهم بعيدين عن هذه التجربة. ولكونهم يتمسّكون بمبدأ "السحسوح"، يتقوقعون في مناطقهم. وإن خرجوا منها، يخرجون شلعاً، كالضباع أو الذئاب لا فرق. لكنّ ضبع أو ذئب السحسوح، إن وُجد وحيداً، يصبح قديساً. "الله لا يجرّب حدا".

جاك وجوني بركات، تعرّضوا لكل هذا الأذى الجسدي والمعنوي. المطلوب، كسر عيونهم بين أهلهم وأصدقائهم ورفاقهم، وأمام الناس كلهم. فكسروا أنوفهم أيضاً. لكنّ جاك وجوني، فضحا منطق البلطجة والتشبيح. عرّيا الوجه الباقي من المنظومة، إن كان لا حاجة لتعريته. أخطأ المشاركون في المسيرة التي مرّت في الجميزة حين انجرّوا إلى إشكال مماثل. لا شكّ. إشكال، ويحدث. لكن تصوير الضحايا بهذا الشكل، فاضح. هو مادة فعلية للأجهزة الأمنية والقضائية، في اعتداء وضرب ومحاولة قتل واعتداء معنوي وتشهير. أين الأمن؟ أين القضاء؟ لا نعرف بعد. ربما، بعد شهر أو عام، سيجلس جاك ليسرد مجدداً أمام أصدقائه ورفاقه ما حصل. سيكون الضحك والمزاح حاضرين. لكنه بالتأكيد لن يكون محبطاً ولا بائساً، لأنّ الاعتداء عليه لم يكن فعل شجاعة. ولم يمسّ كرامته ولم يضعه في موقع الجبن. سيضحك ويقول "ضربوني يا ابن عمّي"، بلهجته البعلبكية المحبّبة.

نقلاً عن جريدة المدن