الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

بيان ائتلاف استقلال القضاء: كي لا يحكمنا نظام الإفلات من العقاب

لبنان
  بحزن وغضب شديد، تلقّينا كسائر المواطنين خبر تعليق التّحقيقات في إحدى أخطر الجرائم التي ألمّت بلبنان في تاريخه الحديث، وهي قضية تفجير مرفأ بيروت. وقد أتى تعليق هذه التحقيقات كمفعولٍ تلقائيّ لإبلاغ المحقّق العدلي طارق بيطار دعوى الردّ التي تقدّم بها النائب نهاد المشنوق ضدّه أمام محكمة استئناف بيروت وهي دعوى تأتي بعد كمّ من ممارسات التحقير والتنمير والتخويف والتهديد بحقّ القاضي والتي سبق للائتلاف إدانتها. وتعليقا على هذه التطوّرات، يهمّنا الإدلاء بما يأتي:
أن الدعوى المقدمة ضد بيطار من النائب المشنوق هي دعوى غير قانونية وتعسفيّة محض، طالما هي مقدّمة لمحكمة غير مختصّة وفقا لما كانت قررته هذه المحكمة بالذات في قرارين سابقين لها وهما القرارين 261/2007 و480/2007. وفي حين كان بإمكان المشنوق أن يقدم دعوى لكفّ يد القاضي بيطار أمام محكمة التمييز على خلفية ما قد يراه ارتيابا مشروعا به، فإنه لجأ إلى تقديم دعوى أمام محكمة يدرك تماما أنها غير مختصّة على أساس أنها الدعوى الوحيدة التي تسمح بتعليق فوريّ لمهام المحقق العدلي. وبذلك، بدا المشنوق في معرض الالتفاف على القانون والتحايل عليه لتحقيق مآربه في الإفلات من قبضة المحقق العدلي، كل ذلك بالتنسيق الكامل وبما يشبه توزيع الأدوار مع عدد من النواب والوزراء السابقين. أن دعاوى الردّ والارتياب المشروع المقدّمة من النواب المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس والهادفة كلها إلى كفّ يد المحقق العدلي إنما تعكس ما كانت هدّدت به قوى نافذة منذ حين ويعيد إلى الأذهان ما ذهبت إليه من قبل لعزل القاضي فادي صوان. وكنّا قد شهدْنا منذ 2 تموز (تاريخ إرسال طلبات رفع الحصانة ضد عدد من النواب وكبار الموظفين) تصعيدا في الخطاب ضدّ القاضي بيطار ومسعى لفبركة ارتياب مشروع بحقه. وهو تصعيد بلغ أوجه مع الرسالة التي تداول بها الإعلام وعزاها إلى المسؤول الأمنيّ في حزب الله وفيق صفا (الذي لم ينفِها) والتي يفهم منها نية بكفّ يده من خلال المسار القانوني أو من خارجه (قبعه)، كل ذلك وسط صمت مريب لأعضاء مجلس القضاء الأعلى المفترض حرصهم على القضاء وسمعته وهيبته. وهو تصعيد يلقي منذ أيام ظلالا سوداء كثيفة جدا على مستقبل العدلية وطبيعة علاقتها مع القوى النافذة في الدولة، وبخاصة في ظل تواطؤ النيابة العامة التمييزية منذ بدء التحقيق مع هذه القوى وتمنّع وزير الداخلية الجديد (القاضي السابق) بسام المولوي عن إجراء التبليغات في هذه القضية من خلال قوى الأمن الداخلي بما يهدد بشلّ التحقيق برمته. فكأنما القانون مجرد حيلة تستخدم لتحقيق مآرب هذه القوى، فإذا لم تنجح لا بأس من اللجوء إلى وسائل نقيضة له. بقدر ما أوحى عمل القاضي بيطار بإمكانية بناء عدالة وطنية موثوقة وقادرة على التصدي للجرائم الكبرى بحيادية واستقلالية وتاليا بإمكانية بناء سيادة قضائية كجزء من السيادة الوطنية، بقدر ما شكلت تصرّفات القوى النافذة تأكيدا جديدا على نظام الإفلات من العقاب وإحباطا لهذه الآمال وخطوات إلى الوراء، خطوات يُخشى أن تُؤدي إلى مزيد من الانهيار على صعيد القضاء والأهم على صعيد حقوق سكّان لبنان ومواطنيه بالعدالة. وعليه، المسألة هنا لا تتصل بكرامة قاضٍ فرد يتمّ التحامل عليه لكفّ يده، بل بكرامة المجتمع برمته. يتوجّه الائتلاف إلى رؤساء ومستشاري الغرف في محكمتي التمييز والاستئناف الذين سينظرون في طلبات كفّ يد بيطار طالباً منهم التعاطي معها في اتجاه إحباط الغايات منها والمبينة أعلاه والبتّ بالدعاوى بأسرع وقت ممكن. فرغم هذا الكمّ المقلق من الاستكبار والاستعلاء على القوانين أو التفلت منها والذي عبّرت عنه قوى نافذة عدة، تبقى مجريات هذه القضية بفعل زخمها ومداها وعديد ضحاياها، فرصة نادرة لتكريس نهج مختلف قوامه استقلال القضاء وإعادة بناء الثقة العامة به ومعها المساواة أمامه وأمام القانون. بإمكان تمسككم باستقلال القضاء أن يضمن تحقيق هذه الفرصة فلا تضيّعوها. الخطوط الحمراء لا تفرض في وجه العدالة إنما تفرض بقوتها.