الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

بيان ائتلاف استقلال القضاء: مخاصمة القاضي الذي تجرأ على السرية المصرفية في قضية سلامة

  ائتلاف استقلال القضاء في لبنان
لبنان
نقلت وسائل الإعلام في تاريخ 9 تشرين الثاني 2021 أن مصرف بنك ميد (وهو أحد المصارف الخمسة التي أوردها وكيل النيابة العامة الاتحادية السويسرية جويل باهو في طلب التعاون القضائي في الميدان الجنائي) قدّم دعوى مخاصمة الدولة على خلفية ما أسماه الأخطاء الجسيمة المرتكبة من المحامي العام المكلف بقضية رياض ورجا سلامة القاضي جان طنوس. وما تسرّب للإعلام هو أن البنك المذكور عزا للقاضي أخطاء جسيمة منها طلب رفع السرية المصرفية عن حسابات الأخوين سلامة.

ولم تنقض لحظات حتى كانت وسائل إعلام عدة تتداول الخبر مع التلويح بأمرين: كف يد القاضي طنوس إلى حين البت بالدعوى وتهيؤ المصارف الأخرى موضوع الاستقصاء لتقديم دعاوى مشابهة ضده. وتتفرّع القضية المذكورة عن المراسلة الواردة من النيابة العامة الاتحادية السويسرية بما سمّي "التحويلات السويسرية" في أواخر 2020 وهي تحويلات ارتبطت باسميْ الأخوين سلامة ورشحتْ عن شبهة باكتسابِهما منفعة غير مشروعة من مصرف لبنان تصل إلى مئات الملايين بالدولار الأميركي، بما يشكل شبهات بالاختلاس وغسل الأموال المشدد كما جاء ذكره في الطلب السويسري وبالتالي بالنسبة للموظف العام في لبنان شبهات جدية "بالإثراء غير المشروع".

ويجدر التذكير بأن للنيابة العامة أو لأي جهة قضائية مختصّة تجاوز السرية المصرفية في قضايا الإثراء غير المشروع سندا للمادة 7 من قانون السرية المصرفية. كما وأنه تسقط السرية المصرفية في حال وجود شبهة أن الأرباح المتأتية من العمليات المالية على المال العام موضوع الملاحقات لم يتم تسديد الضرائب المترتبة عنها عملاً بالقوانين الضريبية اللبنانية المرعية الإجراء. ففي هذه الحالة، يتمّ تطبيق الإجراءات الجديدة التي حددها القانون رقم 55 الصادر في 27/10/2016 لتبادل المعلومات الضريبية للحصول على المعلومات الوافية من الخارج بالنسبة للمكلفين المقيمين ضريبيا في لبنان فضلا عن تطبيق إجراءات قانون تبييض الأموال رقم 44 تاريخ 26/11/2015 السابق ذكره لكي تتمكن الدولة اللبنانية من تطبيق قوانينها الضريبية بصورة فعالة وبالتالي رفع السرية المصرفية في هذه الحالة ايضاً.

وتعليقا على ذلك، يهمّ ائتلاف استقلال القضاء إبداء الملاحظات الآتية:

أولا، رغم الكارثة المالية والمصرفية التي تسببت بها المنظومة الحاكمة السياسية والمالية طوال العقود الثلاثة الماضية وأفقدتْ المُودعين مدّخراتهم ودمرت الاقتصاد الوطني، رفض البرلمان مرات عدة الموافقة على رفع السرية المصرفية وبخاصة عن المسؤولين العموميين أو حتى تخويل القضاء رفعها في قضايا الفساد (الجلسة التشريعية المنعقدة في 28 أيار2020)، حافظا لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان (والتي يرأسها حاكمُه رياض سلامة المشتبه به بنفسه) الصلاحية الحصرية لرفع السرية المصرفية. وفي حين أن قانون السرية المصرفية الصادر في 3/9/1956 استثنى جرائم الإثراء غير المشروع مخولا المراجع القضائية المختصة تجاوزها في هذا الخصوص، فإن الدعوى الحاضرة إنما تعكس تعسّف المصارف في الاستجابة لهذا الاستثناء. وعليه، وبدل أن يتمّ تضييق مجال السرية المصرفية لتمكين القضاة من إجراء التحقيقات اللازمة تمهيدا لاسترداد ما أمكن من خسائر، تذهب هذه الدعوى في اتجاه كفّ يد القاضي باسم سرية أكثر ضخامة مما يفرضه القانون.

ثانيا، يشكل الادعاء بمخاصمة الدولة استهدافا لعمل القاضي طنوس ومسعًى لعرقلة التحقيقات التي يقوم بها في قضية الأخويْن سلامة، كل ذلك باسم السرية المصرفية. وهو مسعى يشبه في عمقه تماما مساعي عرقلة التحقيق في قضية تفجير المرفأ والتي تستهدف عمل المحقق العدلي طارق بيطار باسم الحصانات على اختلافها. وعليه، أي قراءة موضوعية لهذه الإجراءات والمعطيات تبيّن أن الهدف المشترك منها هو تحصين منظومة الإفلات من العقاب في مواجهة القضاة الذين تجرؤوا ويتجرّؤون عليها.

ثالثا، أن عرقلة عمل القاضي طنوس في هذه القضية ستضع لبنان في وضع حرج حيال السلطات القضائية الأوروبية وبخاصة السويسرية التي زوّدته بمعلومات دسمة حول مخالفات سلامة. فمن شأن ذلك أن يظهر لامبالاة فاقعة من دولة لبنان في استرداد أمواله المنهوبة رغم الكارثة الواقعة فيه بالمقارنة مع حماسة سويسرا وإجراءاتها الفعلية وكذلك فرنسا وإجراءاتها الجارية لتمكينه من القيام بذلك.

وعليه، وأمام هذه المساعي لحماية منظومة الإفلات من العقاب، نطالب بالأمور الآتية:

أولا، نطالب جميع الهيئات القضائية وفي مقدمتها الهيئة العامة لمحكمة التمييز القيام بالجهود اللازمة والهادفة لوضع حدّ لنظام الإفلات من العقاب، وعمليا لتضييق مجال الحصانات والسرية المصرفية وأي مرتكز آخر لهذا النظام. وهذا الأمر ملازم لطبيعة الوظيفة القضائية التي تقوم أساسا على مبدأيْ المحاسبة والمساواة. ونعلن هنا أن البوصلة التي سنعتمدها كائتلاف لتقييم القرارات القضائية تتمثل في قياس أثر هذه القرارات على توسيع هذا النظام أو تضييقه.

ثانيا، مع التشديد على استثناء جرائم الإثراء غير المشروع من السرية المصرفية، نطالب المجلس النيابي في الإسراع في إقرار قانون رفع السرية المصرفية عن كل المسؤولين العامين والمعرّضين سياسيا مع تخويل القضاء في جميع الحالات إمكانية رفعها في أي من قضايا الفساد.

ثالثا، نطالب الحكومة اللبنانية اتخاذ ما يلزم من قرارات والشروع السريع في الإجراءات المتاحة لحماية واسترداد ما نهب من المال العام و/أو إكتُسب بصورة غير مشروعة ومحاسبة المخلين والمسؤولين والتعويض على المتضررين وذلك، بأسرع وقت ممكن قبل سقوط المهل وتبديد الأموال والأصول، وفق الدراسة العلمية والعملية المقدمة لها كهبة من أحد أعضاء الائتلاف (الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين - آلديك)،

رابعا، نطالب القوى الاجتماعية بأوسع تعبئة ممكنة والتفاف ممكن حول القضاة الذين يجهدون لتضييق نظام الإفلات من العقاب، في مواجهة جميع التعديات والحملات ضدهم، وفي مقدمتها الحملات الإعلامية والسياسية المركزة. فليس من الجائز أن نطالب القضاة بالتصدي لانتهاكات جسيمة لحقوق المجتمع رغم كل المخاطر التي تتهدّدهم من دون أن نمنحهم ما أمكننا من تضامن ومؤازرة.