الخميس، آذار/مارس 28، 2024

الراهب بيتو: كوبا تقاوم!

  كارلوس ألبرتو ليبانيو كريستو
متفرقات
قلّةٌ هم الذين يجهلون تضامني مع الثورة الكوبية. على مدار 40 عامًا، قمت بزيارة الجزيرة بشكل متكرّر.

سعيت خلال فترة طويلة لاستئناف الحوار بين الأساقفة الكاثوليك والحكومة الكوبية، كما هو مذكور في كتبي: "فيديل والدين"، "الجنة المفقودة"، "رحلات إلى العالم الاشتراكي".

أعرف تفاصيل الحياة اليومية الكوبية، بما في ذلك الصّعوبات التي يواجهها السّكان، والتّشكيك، وانتقادات المثقفين والفنانين في البلاد. زرت السّجون، وتحدثت الى معارضي الثّورة، وعشت مع قساوسة كوبيين وأشخاص عاديين يميلون نحو الاشتراكية.

عندما كانوا يقولون لي: "أيّها البرازيلي، لا توجد ديمقراطية في كوبا"، كنت أنتقل من تجريد الكلمات إلى الواقع. كم هو عدد الصور أو الأخبار التي تمّت مشاهدتها أو سماعها عن الكوبيين الذين يعيشون في الفقر، والمتسولين المنتشرين على الأرصفة، والأطفال المتروكين في الشوارع، والعائلات التي تعيش تحت الجسور، كما هي الحال في كراكولانديا (أحد الأحياء في ساو باولو للاتجار بالمخدرات)، حيث الميليشيات، طوابير طويلة من المرضى الذين ينتظرون سنوات للعلاج في المستشفى؟!

أحذّر أصدقائي: إذا كنتم من أثرياء البرازيل وتريدون العيش في كوبا، فستختبرون الجحيم. لأنكم لن تتمكنوا من تغيير سياراتكم كل عام، وشراء الملابس المصمّمة، والسّفر لقضاء الإجازات في الخارج. وفوق ذلك، لن تتمكنوا من استغلال عمل الآخرين، وترك موظفيكم للمجهول.

إذا كنت من الطبقة الوسطى، فاستعدّ لتجربة المطهر (هو مكان للألم والقصاص، حيث العدالة الإلهية تطهّر الأنفس لتصبح مستعدة لدخول الملكوت حسب العقيدة الكاثوليكية) على الرغم من أنّ كوبا لم تعد مجتمعًا مؤممًا، إلا أنّ البيروقراطية ما زالت فاعلة، وعليك التّحلي بالصّبر وأنت تقف في قوائم الانتظار في الأسواق التجارية، فالعديد من المنتجات المتاحة هذا الشهر لن تعثر عليها في الشهر المقبل بسبب مشاكل في الاستيراد.

بالرغم من ذلك، إذا كنت أجيرّا أو فقيرًا أو بلا مأوى وبلا أرض، فاستعد لتجربة الجنة. ستضمن لك الثّورة حقوق الإنسان الأساسية الثلاثة: الغذاء والصّحة والتعليم، فضلاً عن السّكن والعمل. قد تكون لديك شهية لعدم تناول ما تحب، لكنّك لن تشعر بالجوع أبدًا. ستحصل عائلتك على التعليم والرعاية الطبية، بما في ذلك العمليات الجراحية المعقدة، مجانًا تمامًا، كواجب من واجبات الدولة وحقوق المواطن.

لا يوجد شيء أكثر من البغاء من اللّغوي!

تتمتع الديمقراطية الشهيرة التي ولدت في اليونان بمزايا كبيرة، لكن من الجيد أن نتذكر أنه في ذلك الوقت، كان عدد سكان أثينا 20000 نسمة كانوا يعيشون من استغلال عمل 400000 من العبيد ... ماذا سيجيب أحد هؤلاء الآلاف من الأقنان إذا سئل عن فضائل الديمقراطية؟

الديمقراطية، حسب مفهومي، تعني "أبانا"- السلطة التي شرّعتها الإرادة الشعبية - و "خبزنا"- تقاسم ثمار الطبيعة والعمل البشري. التناوب الانتخابي لا يضمن الديمقراطية ولا يضمنها. تعتبر البرازيل والهند، باعتبارهما ديمقراطيات، مثالين واضحين على البؤس والفقر والإقصاء والقمع والمعاناة.

فقط أولئك الذين يعرفون حقيقة كوبا قبل عام 1959 يعرفون سبب حصول فيديل على هذا القدر من الدعم الشعبي لقيادة الثورة نحو النصر. كانت البلاد تُعرف باسم "بيت الدعارة الكاريبي". تهيمن المافيا على البنوك والسياحة (هناك العديد من الأفلام حول هذا الموضوع).

لم تستسلم الولايات المتحدة أبدًا حين خسرت طموحاتها في كوبا. لهذا السبب، مباشرة بعد انتصار حرب العصابات في سييرا مايبسترا، حاولوا غزو الجزيرة بقوات المرتزقة وهُزموا في أبريل 1961. وفي العام التالي، أصدر الرئيس كينيدي مرسومًا بفرض حصار على كوبا، والذي يستمر حتى يومنا هذا.

كوبا جزيرة ذات موارد قليلة. وهي ملزمة باستيراد أكثر من 60٪ من المنتجات الأساسية للبلاد. مع تشديد الحصار الذي روّج له ترامب (243 إجراءً جديدًا، وحتى الآن لم يزيله بايدن)، والوباء الذي ضرب السياحة أحد مصادر الموارد الرئيسة للبلاد، ما انعكس سوءًا على الوضع الداخلي.

قام أولئك غير الراضين عن الثورة، الذين ينجذبون إلى فلك "الحلم الأمريكي"، بالترويج للاحتجاجات يوم الأحد، 11 يوليو بدعمٍ من وكالة المخابرات المركزية، التي قام رئيسها للتو بجولة في القارة، قلقًا بشأن نتيجة الانتخابات في بيرو وتشيلي.

أفضل من شرح الوضع الحالي في كوبا هو رئيسها دياز كانيل: "لقد بدأ الاضطهاد المالي والاقتصادي والتجاري... إنهم (البيت الأبيض) يريدون تحقيق اضطرابًا اجتماعيًا داخليًا في كوبا لتبرير غزو البلاد عسكريًا عبر "المساعدات الإنسانية".

"لقد كنا صادقين، وتحلّينا بالشفافية، والوضوح في جميع الأوقات. أوضحنا لشعبنا التعقيدات التي تواجهنا. بدأت الولايات المتحدة في تكثيف سلسلة من الإجراءات التقييدية، وتشديد الحصار، والاضطهاد المالي لقطاع الطاقة، بهدف خنق اقتصادنا، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى سخط اجتماعي ضخم ترغب في حدوثه واشنطن، لتبرّر الدعوة إلى تدخل "إنساني"، والذي سينتهي بتدخلات عسكرية".

استمر هذا الوضع، ثم جاءت الإجراءات الـ243 (التي اتخذها ترامب لتشديد الحصار) التي نعرفها جميعًا، وأخيراً تقرّر إدراج كوبا في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. أدّت كل هذه القيود إلى قطع مختلف مصادر الدخل من النقد الأجنبي، مثل السياحة والرحلات الكوبية الأمريكية إلى بلدنا والتحويلات المالية. كما وضعوا خطة لتشويه سمعة الألوية الطبية الكوبية".

"هذا الوضع أوجد حالة من النّقص في البلاد، خاصة في الغذاء والدواء والمواد الخام والإمدادات حتى نتمكن من تطوير عملياتنا الاقتصادية والإنتاجية التي، في نفس الوقت، تساهم في الصّادرات. تمّ استبعاد عنصرين مهمين: القدرة على التّصدير والقدرة على استثمار الموارد".

"لدينا أيضًا قيود على الوقود وقطع الغيار، وكل هذا تسبب في عدم الرضا، إضافة إلى المشكلات المتراكمة التي تمكنّا من حلّها والتي بدأت بالتفاقم عندما انهار الاتحاد السوفياتي)، إلى جانب حملة إعلامية شرسة لتشويه السّمعة، في إطار الحرب غير التقليدية، التي تحاول كسر الوحدة بين الحزب والدولة والشعب؛ وتعتزم تصنيف الحكومة على أنّها وغير قادرة على توفير الرّفاهية للشعب الكوبي".

"نموذج الثّورة الكوبية أزعج الولايات المتحدة إلى حد كبير لمدة 60 عامًا. لقد فرضوا حصارًا جائرًا إجراميًا وقاسيًا، اشتدّ الآن في ظلّ الوباء. حصار وأعمال تقييدية لم ينفذوها قط ضد أي دولة أخرى، ولا ضد أولئك الذين يعتبرونهم أعداءهم الأساسيين. لذلك، كانت سياسة فاسدة ضد جزيرة صغيرة تطمح فقط للدفاع عن استقلالها وسيادتها وبناء مجتمعها بتقرير المصير، وفقًا للمبادئ التي أيدها أكثر من 86٪ من السّكان"

في خضم هذه الظروف، ظهرت الجائحة، التي لم تؤثر على كوبا فحسب، بل أثّرت على العالم بأسره، وأوّلهم الولايات المتحدة.

لقد أثّر الوباء على الدول الغنية، ويجب القول أنه في مواجهته، لم يكن لدى الولايات المتحدة ولا هذه الدول الغنية كل القدرة على التعامل مع آثاره. تضرّر الفقراء، بسبب عدم وجود سياسات عامة تستهدف الناس، وهناك مؤشرات على مكافحة الوباء بنتائج أسوأ من تلك التي حدثت في كوبا في كثير من الحالات.

معدلات العدوى والوفيات لكل مليون نسمة أعلى بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة منها في كوبا (سجلت الولايات المتحدة 1724 حالة وفاة لكل مليون، بينما سجلت كوبا 47 حالة وفاة لكل مليون).

مع ترسيخ الولايات المتحدة لقومية اللقاح، واصل لواء هنري ريف من الأطباء الكوبيين عمله بين أفقر الناس في العالم...

بعد سقوط الاتحاد السّوفياتي، الذي وفّر للجزيرة وسيلة للتحايل على الحصار، حاولت الولايات المتحدة زيادة سيطرتها على الدولة الكاريبية. منذ عام 1992 حتى اليوم، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على إنهاء هذا الحصار.

أفادت الحكومة الكوبية أنه بين أبريل 2019 ومارس 2020، خسرت كوبا 5 مليارات دولار في التجارة بسبب الحصار؛ على مدى العقود الستة الماضية، خسرت ما يعادل 144 مليار دولار. الآن، صعّدت حكومة الولايات المتحدة العقوبات ضد شركات الشحن التي تنقل النفط إلى الجزيرة.

هذه الهشاشة هي وراء مظاهرات السّخط.. أثبت صمود الشعب الكوبي، الذي يقتدي بنماذج ثورية مثل خوسيه مارتي، وتشي غيفارا، وفيديل، أنه لا يُقهر. ولذلك، نحن جميعًا، الذين نكافح من أجل عالم أكثر عدلاً، مدينون بالتّضامن الآن مع الشّعب الكوبي.

كارلوس ألبرتو ليبانيو كريستو. المعروف ب"الراهب بيتو "Frei Betto- كاتب برازيلي وراهب ينتمي الى لاهوت التّحرير.

تعريب: لينا الحسيني

# موسومة تحت : :