الخميس، نيسان/أبريل 25، 2024

لبنان والحزب الشيوعي يخسران القائد حسن عوالة (نضال الاسمر)

  محمد شقير
متفرقات
أحيا الحزب الشيوعي اللبناني في بلدة تولين ذكرى مرور أسبوع على رحيل القائد حسن منير عوالة (نضال الاسمر)، عصر يوم الأحد الماضي بحضور جماهيري كبير من الرفاق والمحبين وأهالي القرية. فمنذ اسبوع سرق المرض الرفيق حسن من بيننا على غفلة من الزمن؛ فنضال الأسمر، اسمٌ لمناضل حفر في وجداننا صورةُ الأسدِ وزرع في قلوبنا شجرة الزيتون وفجّر في ارواحنا ينبوع المقاومة، واعطى عقولنا دروسًا في العمل الصامت المفضي الى نتائج حاسمة، واذكر، بل نذكر جميعًا، اننا حين نلتقي به  الا  وترك في اعماقنا ارتياحاً مع انه قليل الكلام؛ فصمته أبلغ من لغة المتكلمين، ففي عينيه وطنٌ، وفي قسماته نهرٌ، وفي ابتسامته العذبة حدائقٌ، وفي خطواته عاصفةٌ، وفي حركاته مطرٌ، حسبنا انه الارض التي انبتت مئات بل آلافُ المقاومين الذين ناضلوا لتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي... فكلما استعدنا صورة نضال نستعيد صورة غيفارا...   اتسمت المسيرة النضالية للرفيق حسن عوالة في الحزب الشيوعي اللبناني بعدة مراحل يمكن تقسيمها الى اربعة، وهي: في المرحلة الأولى، وقبل أن يبلغ نضال الثمانية عشر من عمره انتسب الى الحزب الشيوعي اللبناني، وتحديدًا بداية سبعينيات القرن الماضي، أي في مرحلةٍ سياسية وعسكرية خطيرة ومفصلية كان يمر بها لبنان والمنطقة العربية برمتها، ففي حين كانت المواجهة مفتوحةً ضد العدو الصهيوني من جهة، فإن النضال كان قائمًا ومستمرا لتغيير النظام الطائفي من جهة أخري.    لقد واجه الرفيق نضال الى جانب رفاقه في الحزب والحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة للجنوب حيث شارك في المعارك ضدها بدءًا من تلة مسعود في بنت جبيل مرورًا بجميع المحاور القتالية حتى قلعة الشقيف، فاكتسب مهارات قتالية عالية ليصبح مع الوقت قائدًا عسكريًا من طينة القادة الكبار...    اتسمت المرحلة الثانية من حياة نضال الحزبية بالصلابة والتكتيك العسكريين، حيث ومع سقوط بيروت أول عاصمة عربية بأيدي جيش الاحتلال الصهيوني قاد نضال الى جانب مجموعة من القادة الشيوعيين جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، التي سنحتفل باربعينياتها في ايلول المقبل، مشرفًا على عملياتها التي سطرها المقاومون من بيروت مرورًا بالجبل والطريق الساحلي التي سميت بطريق الموت لقوات الاحتلال، وتوج الرفيق نضال مسيرته في هذه المرحلة الهامة من حياة لبنان بخوض معركة تحرير مدينة صيدا بوابة الجنوب وعاصمة المقاومة، الى جانب رفاقه في التنظيم الشعبي الناصري وقوى وطنية وتقدمية، وكان قائدًا لفرقة المشاة في الجيش الشعبي الذي حرر شرقي صيدا حيث كانت القوى العميلة تؤسس، آنذاك، للهيمنة الطائفية تمهيدا للسيطرة على تلك المنطقة بغية اقامة امر واقع شديد الخطورة في شرقي صيدا، لكن تحريرها أمّن ظهر المقاومة وعمقها الجغرافي في كفرفالوس ولبعا وعين المير وعبرا، ومن هناك قاد نضال مع رفيق دربه ابو جمال قاسم بدران مسؤول اليقظة الثورية في الحزب، عمليات المقاومة لجهة جبهة جزين وقراها، فاشتعلت العمليات العسكرية ضد مواقع الاحتلال الذي اصيبت قواته بضربات قاسمة قاتلة قوية، فاخذ هذا العدو قرارًا بقصف مركز اللجنة المركزية للحزب في الرميلة حيث سقط ثمانية شهداء قادة بينهم قاسم بدران (ابو جمال) وحكمت الامين طبيب الفقراء.... وأصيب نضال نفسه اصابات بليغة استمرت آثارها محفورةً في جسده حتى يومنا هذا، وعاش بيننا ومعنا اكثر من  ثلاثة وثلاثين عامًا شهيدًا حيًا قائدًا صلبًا تهون برفقته كل متاعب الأرض.   أما المرحلة الثالثة فقد عانى حسنْ كمعظم اللبنانيين من الضائقةِ الاقتصاديةْ، فأجبرتهُ الظروفْ الى السفرِ ليعيش من عرقِ جبينه ْوكدِ يمينهْ، وفي المهجر لم يستكين فحمل النضال معه الى البرازيل حيث عمل بين الجاليات العربية واللبنانية، فنظم عدة لقاءات سياسية في منزله ومنازل الرفاق وحتى في محله التجاري أين كانت اذاعة صوت الشعب تصدح بشكل متواصل لينقل صورة وقضية الوطن من اثير اذاعة حزبه من بيروت. وكل من زار محله كان يستمع بانصات لحسن حين كان يحلل ويشرح ما يجري في لبنان، وبالرغم من هموم وطنه الكبرى غير أنه فتح صلات نضالية بالحزب الشيوعي البرازيلي فشاركه بتحليل واقع اليسار العربي والازمة التي يمر بها، وهو ايضًا، قام بجهد كبير لدعم ترشيح الرفيق خالد محاسن من الحزب الشيوعي البرازيلي للندوة البرلمانية فساهم في تنظيم لقاءات سياسية لدعمه بين الجاليات العربية وخارج هذه الجاليات.   وكانت المرحلة الرابعة من حياته زاخرة بالرغم من قصر مدتها الزمنية، إذ قبل اشهرٍ توفي والده ُ فعاد الى لبنان... وتحت إلحاحنا، رفاقه محبيه وأهله وعائلته، قرر البقاء بيننا فمنحنا القوة واعطانا جرعات كبيرة من الثقة، وبعودته شهد لبنان الغارق في ازماته حدثين سياسيين هامين انعقاد مؤتمر الحزب الثاني عشر والانتخابات النيابية... في هاذين الحدثين كان حسن شعلة من النضال الدؤوب فاغنى بفكره ورؤيته وحسه الثوري النقاش الحزبي وشارك في جميع المؤتمرات القاعدية وصولا الى المؤتمر الوطني العام حيث انتخب عضوًا في اللجنة المركزية للحزب.... وفي اجتماع حصل مع الرفيق حنا قبل سفره الأخير للعلاج ورؤية اولاده وأحفاده قال: اكتشفت المرض مؤخرًا فلو كنت أعرفه لما ترشحت للجنة المركزية ولفضلت انتخاب غيري من الرفاق لهذا الموقع. أما عن دور الرفيق نضال في تشكيل لائحة معا نحو التغيير في دائرة الجنوب الثالثة وصياغة برنامجها السياسي، فإنه وبرغم الألم لم يتخلف عن اجتماع واحد انعقد لهذه الغاية، فعلى مدى اشهر حضر جميع اللقاءات التي نظمت لهذه الغاية من بيروت الى بنت جبيل فمرجعيون وابل السقي وصولا الى النبطية ودير الزهراني وطبعا في منزله في تولين. في هذه اللقاءات وضع الرفيق نضال بصمته، وكان تأثيره كبيرًا لرمزيته من جهة وقوة حجته من جهة أخرى؛ فكان له، كما لعشرات المناضلين، دورًا كبير في تشكيل لائحة واحدة وتعطيل امكانية تشكيل لوائح مرادفة من شأنها تفتيت القوي وتشتيتها، وعندما جرى إشاعة معلومة عن اشتراط القوات اللبنانية اقصاء مرشح هنا وآخر هناك مقابل منحها اصواتًا للائحة قال: الآن سنتمسك أكثر بمن يشترطون اقصائهم ولسنا في حاجة لاصوات قوةٍ هي في صلب منظومة الفساد مند عشرات السنين. وفي السياق عينه، كان لنضال وعشرات المناضلين بصمات اساسية في مشروع اللائحة السياسي وهو ركز على ثلاثة عناوين سياسية وردت في البرنامج:_الاول الاصرار على حق لبنان بالخط ٢٩ وعدم التفريط به كما تفرط به منظومة الفساد اليوم. _ الثاني رفض التطبيع مع العدو. _ الثالث حق شعبنا في مقاومته لأي اعتداء يتعرض له وطننا.   وداعًا يا اسمرَ المقاومين… يا نضالاً نحتاجه ُالآن وغدا، ونفتَقِدهُ في المستقبل ْ… لقدْ سرقكَ المرضُ منا على غفلةٍ من الزمنْ، كم كنتَ جبارًا يا رفيقْ … كمْ كنتَ عظيمًا يا حسنْ،،، أيها الرفيق ْ… جملُ المحاملِ انتَ يا نضال ... يا جُرحَ الآه في حنجرةِ البكاءْ.. ويا ألقَ الدحنونِ الأحمرِ المزروع في بلادي .. يا شعلةً ثائرة ًلن تخمدَ ابدا، ويا نسيمَ الصباحِ في رئةِ المتنفسين …ويا لهفةَ الجائعين.. وداعًا يا رفيقي … يا دمعةً تحجرتْ في المُقلْ … نضالْ …. أيها المقاومُ الشريفْ .. ستبقى في قلوبِنا ما دامَ الدمُ يجري في عروقِنا ..