السبت، نيسان/أبريل 20، 2024

"دور الأحزاب الشيوعية في استنهاض حركة التحرر الوطنية العربية"

أخبار الحزب
،كلمة الحزب الشيوعي اللبناني في افتتاح لقاء الأحزاب الشيوعية العربية حول "دور الأحزاب الشيوعية في استنهاض حركة التحرر الوطنية العربية"، الذي يقام في بيروت – 20 و21 حزيران 2019 ألقاها الرفيق د.  عمر الديب، مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني.

ممثلي الأحزاب الشيوعية العربية
ممثلي الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية
الرفاق والأصدقاء

نجتمع اليوم في بيروت، 10 أحزاب شيوعية من 10 دول عربية، في سياق سعينا المستمر لاستنهاض قوى اليسار والتقدم في عالمنا العربي، ومن أجل تجديد حركة التحرر الوطنية العربية. نجتمع بالتزامن مع "يوم الشهيد الشيوعي" الذي يجسد ذكرى الشهداء الشيوعيين الذين سقطوا طوال تاريخ هذا الحزب العريق، من شهداء المقاومة ضد العدو وشهداء الحرب الأهلية دفاعاً عن وحدة لبنان وعروبته، وشهداء الغدر الذين قتلوا غيلةً، وشهداء الحركات النقابية والطلابية والنسائية، وشهداء الواجب الحزبي، فلهم منا اليوم كل التحية.
ويأتي اجتماعنا في مرحلة تاريخية تتسم باشتداد أزمة الرأسمالية في العالم وانسداد أفقها التاريخي مع انخفاض نسب النمو وارتفاع المديونية العامة والخاصة وارتفاع العجز وانتقال مراكز الإنتاج والعمل والتجارة وبدء انتقال مراكز البحث والعلم والتكنولوجيا خارج الولايات المتحدة وأوروبا، فتشتدّ عدوانيتها ونزعتها صوب العقوبات والحصار والبلطجة وإثارة الأزمات والفتن وصولاً إلى الحروب المباشرة وغير المباشرة. وينعكس ذلك في تغيّر التيار السائد داخل المنظومة الرأسماليّة مع تقدّم القوى اليمينية المحافظة ذات النزعة العنصرية اليوم في أميركا وأوروبا على حساب التيار النيوليبرالي الذي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية، ويشكّل فوز "ترامب" برئاسة الولايات المتحدة انتصاراً للخط العنصري الآخذ بالصعود حول العالم.
وها هي الولايات المتّحدة الأميركية تخوض معركتها اليوم من أجل منع التاريخ من التقدّم، ومن أجل تأخير تقهقرها لمصلحة الدول الصاعدة، في محاولة يائسة للحفاظ على سطوتها في قيادة العالم الأحادي القطب ومنع انتقاله إلى التعددية القطبية، مع ما تعنيه من انكسار للامبريالية الأميركية. لكنّ تلك العدوانية، على قساواتها، لن تتمكّن من تغيير مسار التاريخ. فالعقوبات والإجراءات التي تفرضها على الصين الشعبية وإيران وروسيا وفنزويلا وكوبا وكوريا وسوريا ولبنان، وحتى على حلفائها عندما لا ينصاعون تماماً لمشيئتها، ورغم ما تسببه من أزمات اقتصادية واجتماعية لهذه الدول، لن تقف عائقاً أمام حلم شعوب العالم في التحرر والانعتاق من السيطرة الأميركية. ولعلّ التجربة الصينيّة هي المثال البارز اليوم على إمكانية تحقيق الاستقلالية التامة والإمساك بعملية الإنتاج والتصنيع والبحث العلمي والتكنولوجي وصولاً إلى التفوق في مجالات تقنيات الاتصالات والذكاء الاصطناعي ما يفتح الأفق واسعاً لصياغة علاقات دولية من نوع جديد لا تقوم على هيمنة جهةٍ واحدة على الموارد المتقدمة والاختراعات الحديثة وتتيح للشعوب خيارات متعددة في السياسة والاقتصاد ومجالات التقدم.
إنّ المشروع الأميركي اليوم يأخذ وجهه الأقسى والأبشع في منطقتنا حيث يقاتل مباشرةً وبالواسطة من خلال حلفائه، ليترك وراءه أرضاً محروقةً مدمرة في اليمن وسوريا وليبيا، ويتوعد بالحرب على إيران ويطلق يد المشروع الصهيوني من خلال "صفقة القرن" التي تهدف إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية. وفي حين تنهمك القوى العربية بجدال حل الدولتين أو الدولة الفلسطينية على كامل التراب، يندفع العدو باتجاه الدولة اليهودية على كامل التراب وربما أبعد. فمشروع "صفقة القرن"، جرى التمهيد له بخطوات عديدةٍ مثل قانون يهودية الدولة ونقل السفارات إلى القدس واعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني، وضمّ الجولان العربي السوري وتوسيع المستطونات في الضفة الفلسطينية والتمهيد لقرار ضمّمها أيضاً، ووقف تمويل الأونروا وإعادة تعريف اللاجئ في الكونغرس الأميركي لإسقاط صفة اللجوء عن معظم اللاجئين، كما جرى التمهيد له من خلال خطوات التطبيع العلني التي تقوم بها العديد من الأنظمة العربية بشكل وقح مع العدو الصهيوني.
ووسط الانقسام الداخلي الفلسطيني والتآمر الرسمي العربي، والتبني الأميركي المطلق، تعقد بعد أيام "الورشة الاقتصادية" في المنامة في البحرين لتطرح حلولاً اقتصادية ومالية تهدف إلى توطين اللاجئين من جهة وتحضير الأجواء لمشاريع ضم وفرز للأراضي الفسطينية وشراء الذمم بالأموال ووعود اقتصادية. يدين الحزب الشيوعي اللبنانية حكومة البحرين التي تستضيف هذا اللقاء المعادي لفلسطين وشعوب المنطقة، ويدين كل الأنظمة التي ستشارك فيها ويعتبرها شريكة في التآمر، ويدعوها للاستجابة لطموحات شعوبها الداعمة للقضية الفلسطينية ووقف مشاركتها. كما يحيي حزبنا الدول التي رفضت المشاركة، وحسناً تفعل دولة فلسطين بقرار المقاطعة، ويدعوها لأخذ خطوات إضافية ضد مشروع صفقة القرن وكل ما يرتبط به. كما يدعو حزبنا الفصائل والقوى الفلسطينية إلى الوحدة ونبذ الانقسام على قاعدة المقاومة ضد المشروع الصهيوني من أجل تحقيق الدولة الفسلطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وحق العودة لجميع اللاجئين إلى الأراضي التي هجروا منها. ويرى حزبنا أن على الشيوعيين والتقدميين واليساريين أن يكونوا في طليعة النضال التحرري بكافة الوسائل المتاحة، وعليهم مسؤوليات جسام في استنهاض حركة التحرر الوطنية العربية وأن لا يتركوا قيادتها للتيارات الإسلامية والقومية والبورجوازية الصغيرة وحدها، وأن يحضروا أنفسهم للعب دورهم المحوري فيها.
لقد شكّلت الموجات المتتالية من انتفاضات الشعوب العربيّة الردّ الطبيعي على الأنظمة البائدة التي رهنت قرار بلدانها للخارج وبددت ثرواته، وتحكّمت بقرارها مصالح فئات متنفّذة صغيرة راكمت الثروات على حساب شعوبها التي عانت من مستويات عالية من البطالة والهجرة والفقر والاستغلال والاستبداد السائدة والمعروفة في وطننا العربي، ولا شكّ أن الشعب السوداني اليوم يخوض معركةً مصيرية بالنيابة عن شعوب المنطقة. وهو إذ نجح في التخلص من نظام الطاغية البشير وحركة الإخوان المسلمين في السودان، يناضل اليوم لمنع العسكر المدعوم إقليمياً من الإمساك بالسلطة وإعادة تجديد النظام القديم لإجهاض ثورة الشعب السوداني. ونحن إذ نتضامن مع الشعب السوداني، نجدّد ثقتنا بصلابة ووضوح رؤية الحزب الشيوعي السوداني ونضاله من أجل مجلس انتقالي مدني يمثل قوى الحرية والتقدم ويشكّل صمام أمان في طريق الانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية.
ونحن إذ نرحّب بضيوفنا في هذا المؤتمر من أرجاء الوطن العربي، نرحّب كذلك بكل اللاجئين الذين أجبرتهم ظروف الحرب والقتل والدمار والفقر والحرمان على ترك بلدانهم قسراً نحو بلدنا لبنان، ونخصّ بالذكر منهم شعبنا السوري الذي طالما احتضن اللبنانيين المهجرين أيام الحرب وايام الاعتداءات الصهيونية، وشعبنا الفلسطيني الأكثر مظلومية بين شعوب العالم، وهما يعانيان من ظواهر عنصرية متزايدةٍ في لبنان، كان آخرها تلك الهجمة العنصرية المقيتة التي تدعي التفوق الجيني اللبناني على شعوب العالم، وتصريحات بعض وزرائنا ونوابنا المعادية للاجئين، وكذلك الحملة التي تقوم بها وزارة العمل للتحريض ضد تشغيل الأجانب، وذلك في حملة إعلانية ممولة من المال العام، وبعض البلديات التي تمنع اللاجئين من التجوال. إنّ هذه التعبئة التي تقوم بها قوى سياسية عديدة ضد السوريين والفلسطينيين في لبنان هي غير مقبولةٍ من جانبنا، ولن نقبل أن ننجرّ أبداً إلى مستنقع العنصرية والعداء لإخواننا الذين أجبرتهم ظروف الموت على الهرب إلى لبنان. إنّ عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم هي مصلحة للسوريين واللبنانيين معاً، وهي عودة طوعيّة يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون مع الحكومة السورية والجهات المعنية على قاعدة العلاقات الأخوية ومصلحة الشعبين، أما حق العودة للشعب الفلسطيني فهي مسألة مرتبطة فعلياً بتحرير فلسطين والقضاء على السرطان الصهيوني فيها، فأين أنتم من تبني هذه القضية على جدول أعمالكم؟ لقد بنت سواعد العمال لبنان من عمرانٍ وزراعةٍ وصناعةٍ وأعمال أخرى، سواعد عمالٍ لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ومصريين وسودانيين وأجانب، عملوا معاً وعاشوا معاً واستُغلوا من البورجوازية اللبنانية معاً لتراكم ثرواتها من فائض قيمة عملهم، لتعود البورجوازية نفسها الآن لتتاجر بهم شعبوياً في مزايدات بشعة. لكل هؤلاء العمال الحبّ والتقدير والتضامن، ضد كلّ أشكال العنصرية والانعزال والتقوقع.
فليكن اجتماعنا هذا فسحة حوار جدي وبناء من أجل القضية الفلسطينية، ومن أجل الجولان وجنوب لبنان، من أجل حرية السودان، ومن أجل شعب اليمن السعيد، من أجل وحدة ليبيا ووحدة العراق الوطنية، ومن أجل سوريا علمانية ديمقراطية، من أجل التقدم في الجزائر ومصر وتونس والمغرب والأردن، من أجل الديقمراطية والحرية في الكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعمان، من أجل التحرر الوطني السياسي والاجتماعي لكلّ شعوبنا العربية.