الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

تصريح الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب عشية زيارة ماكرون وبدء الاستشارات النيابية

أخبار الحزب
على وقع تفاهمات دولية – إقليمية وإخراج فرنسي ماكرونيّ في الذكرى المئوية الأولى للانتداب الفرنسي على لبنان، هرولت قوى السلطة بمختلف تشكيلاتها لتحتفل بتبعيتها وتكرسها نهجا وممارسة عبر تسمية رئيس مكلّف للحكومة بسرعة غير مسبوقة، كما درجت عادتهم في الانتقال من وصاية الى وصاية أخرى لتكرّس وضع لبنان السياسي تحت وصاية الخارج المباشرة. قدّم الجميع، من قوى السيادة والحياد والممانعة وما بينهم، تنازلات عن لوائح شروطهم الطويلة، كرمى لعيون أوصياء الخارج، من دون أن يقدّموا أي تنازل أو مبادرة لشعبهم المنتفض في الساحات منذ 17 تشرين الأول حتى اليوم. سارعوا جميعاً إلى استعادة ممارساتهم السابقة في لعبة تقاسم كعكة السلطة على أسس مذهبية وزبائنيّة، فيما لم تجفّ بعد دماء اللبنانيين الذين قتلهم انفجار/جريمة المرفأ التي يتحمّل النظام الطائفي القاتل ومنظومته الحاكمة المسؤولية المباشرة عنه.


لقد كسرت انتفاضة 17 تشرين واللبنانيون الذين ملأوا ساحات لبنان من شماله إلى جنوبه وجبله وبقاعه وعاصمته، حصريّة التمثيل الشعبي الذي كانت تدّعيه قوى السلطة الحاكمة، وسحبت الشرعية الشعبية من حكومة الرئيس الحريري ومن ثمّ من حكومة الرئيس حسان دياب، فسقطتا من دون أن تجدا حاضنة شعبية تحميهما. لا تريد قوى السلطة الاعتراف بالشعب، ولا تريد ان ترى في الحكومة الجديدة إلّا فرصة لإعادة لملمة صفوفها وتجميع قواها وتدوير زوايا خلافاتها للانقضاض على الشعب مجدّداً تحت غطاء دولي كامل. لم يأت ماكرون للاستماع إلى الشعب اللبناني كما يدعون في وعودهم الورديّة، بل جاء لينقذ النظام المتهالك ويعيد إنتاج صيغةٍ جديدةٍ له تؤسس لانطلاقة المئوية الثانية للبنان على قواعد المئوية الأولى نفسها: منطق التوازنات الطائفية والمذهبية القاتلة ونظام علاقات الاستتباع والارتهان للخارج، اللذان قوّضا تاريخيا مفهوم الدولة وسلبا اللبنانيين ثرواتهم وقوّة عملهم وأدّيا الى تهجيرهم في أصقاع الأرض بحثاً عن فرصة للحياة. فماكرون - الذي يرفض إطلاق سراح المناضل السياسي جورج عبدالله رغم انقضاء فترة محكوميته والذي نجدد المطالبة بإطلاق صراحه - قد جاء ومن خلفه تسويات وتفاهمات دولية وإقليمية ليقف موضوعيا الى جانب قوى السلطة ويعيد ترتيب بيتها الداخلي بعدما تكرّس عجزها وفشلها في إعادة إنتاج تسوياتها الداخلية.
إن الحزب الشيوعي اللبناني يحذّر من مسار تشكيل الحكومة المقبلة وتحولها إلى حكومة أسوأ وأوقح من سابقاتها، لأنّها ستكون حكومة مواجهة مباشرة مع الشعب اللبناني وانتفاضته، وسوف تتيح لقوى السلطة أن تتلطّى وراء حاجة لبنان لمساعدات وقروض خارجية (سواء من صندوق النقد الدولي أو سيدر أو غيرهم) كي ترسخ نظام التبعية بنسخة قديمة – جديدة في محاولة لفرض الشروط السياسية والاقتصادية المرتبطة بصفقة القرن، وبتنفيذ برنامج إفقار وتجويع وتهجير ونهب للمال العام كانت قد طرحته حكومة الرئيس الحريري تحت اسم "الورقة الإصلاحية" وتبنّته حكومة الرئيس حسان دياب من دون أن يستطيع أي منهما البدء بتنفيذه. اليوم يضغط الخارج، وتتوافق قوى السلطة في الداخل، في اتجاه التنفيذ الفعلي لهذه البنود كشرط للقروض، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التحرير الكامل لسعر الصرف، ووقف دعم السلع الحيوية، وزيادة الضرائب غير المباشرة وتعريفات الخدمات العامة الأساسية، وبيع ما تبقى من مؤسسات عامة لمصلحة المصارف والقطاع الخاص المحلي والخارجي.
إن قوى التغيير هي وحدها من تحمي اللبنانيين من عدوانية السلطة ومن يقف وراءها. فالشرعية الشعبية التي حققتها الانتفاضة الشعبية المجيدة تشكّل قوّة سياسية لا يستطيع أحد مهما كبر حجمه في الداخل أو في الخارج ان يتخطّاها، ولا يمكن إنقاذ بلدنا دون أن يكون لهذه القوّة دور أساسي في عملية التغيير الجذرية التي تتطلّبها هذه الفترة الانتقالية. وعليه، فإننا ندعو قوى ومجموعات الانتفاضة التي تتوافق على طرح الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التشريعية من خارج المنظومة الحاكمة إلى التداعي والالتقاء، وإلى توحيد الجهود لمواجهة مشاريع "التفاهمات" الداخلية والدولية المروّجة لحكومة الوحدة الوطنية-الدولية، بالإضافة الى التحركات في الشارع.
والتقاء قوى التغيير يجب أن لا يكون محكوما فقط بمنطق الاعتراض وحده، بل أن يتمّ تأسيسه على قاعدة مشروع سياسي متكامل لبناء السلطة البديلة، القادرة على إنقاذ اللبنانيين من أزمتهم السياسية والاقتصادية. وهذا يعني بالتحديد تحميل أعباء الخسائر للفئات التي حققت الثروات الطائلة في العقود الماضية ونهبت المال العام والخاص، وتجسيد حقوق اللبنانيين في التغطية الصحية الشاملة - وبخاصة في مواجهة الانتشار المخيف للكورونا - والتعليم المجاني الجيّد والنقل العام والسكن الشعبي، واستثمار الأموال المهدورة في بناء مرتكزات اقتصاد وطني منتج، وإطلاق عملية إصلاح سياسي جذري يشمل انتاج رافعات الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، ومن ضمنها قانون انتخابات نسبي خارج القيد الطائفي وقوانين مدنية للأحوال الشخصية واستقلالية القضاء.

بيروت في 31 آب 2020