الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

حوار حول ثورة أكتوبر الاشتراكية

  جريدة النهج الديمقراطي
رأي
بمناسبة الذكرى الثالثة بعد المائة لثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية، نشرت الجريدة المركزية للنهج الديمقراطي حواراً مع الرفيق عبد الله الحريف؛ ونظرا لأهمية الحوار المذكور نعيد نشره تعميماً للفائدة.

1) ماهي أهم إنجازات ثورة أكتوبر ؟

إن ثورة أكتوبر العظيمة والتي لعب فيها العمال دورا أساسيا وحاسما وقادها الحزب الشيوعي البلشفي أخرجت شعوب الإتحاد السوفيتي، في مدة قياسية، من الجهل والفقر والأمراض وخلصتها من السيطرة الفيودالية وأوصلتها إلى أعلى المستويات العلمية والثقافية وبنت اقتصادا قويا ومرتكزا على الذات وحققت مكتسبات هائلة على المستوى الاجتماعي (التعليم، الصحة، الشغل...) وجعلت من الاتحاد السوفياتي قوة عظمى.

ولعب الاتحاد السوفياتي دوراً حاسماً في دحر النازية والفاشية وتصدى لهيمنة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية ودعم نضالات الشعوب المستعمرة من أجل تحررها الوطني.

هكذا حققت هذه الثورة في مدة وجيزة، إنجازات تطلبت قرونا من الثورات. لقد قدمت للبشرية تجربة ملموسة لبناء الاشتراكية يمكن الاستفادة من دروسها للمضي قدما نحو بناء تجارب أكثر تقدما للانتقال نحو الاشتراكية.

 

2) لماذا فشلت تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ؟

قبل الجواب، لا بد من تقديم الملاحظات التالية

ـ لقد تطلب المرور من نمط الإنتاج الفيودالي إلى نمط الإنتاج الرأسمالي، قرونا من الثورات و"الثورات" المضادة، فما بالك بالنسبة للمرور إلى نمط إنتاج ينتفي فيه استغلال الإنسان للإنسان ؟

ـ لم تكن الثورة البلشفية تتوفر على نموذج لبناء الاشتراكية، خاصة في الميدان الاقتصادي، ما عدا ما كانت تطرحه الأممية الثانية (التأميم، التصنيع...) الذي يعني بناء رأسمالية الدولة وليس الاشتراكية.

إن نقد تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي لا يجب أن يدفعنا، على غرار الدعاية الرجعية أو بعض القوى التقدمية إلى تبخيس أو إنكار الدور التقدمي لهذه التجارب فأحرى تجريمها كما تسعى إلى ذلك الدعاية الإمبريالية التي تلقي المسؤولية الكاملة فيما آلت إليه الثورة البلشفية على ستالين. على العكس من ذلك، يجب أن نعتز بما حققته هذه التجارب لشعوبها وشعوب العالم وما مثلته من ملاحم بطولية ومن تضحيات جسام وفي نفس الآن، القيام بتقييم موضوعي للانحرافات والأخطاء التي شابتها. فهذه التجارب، بما لها وما عليها، هي إرث لكل الشيوعيين في العالم.

وبالنسبة للثورة البلشفية في روسيا، فلعل بعض أسباب إجهاضها هي:

1. الأسباب الموضوعية:

ويتعلق خاصة بالحروب والحصار اللذان فرضتهما الرجعية الروسية والإمبرياليات الأوروبية ضد الثورة المنتصرة، والتي تطلبت مواجهتهما بناء دولة قوية ومركزية واقتصاد يرتكز على التصنيع الثقيل الموجه للصناعة الحربية على حساب الفلاحة والتصنيع الخفيف الموجه لتحسين الأوضاع المعاشية للشعب. هذا التوجه الذي تعمق أمام صعود النازية والفاشية. كما تطلبت هذه الظروف الاستثنائية انضباطا حديديا داخل الحزب مما أدى إلى تغليب المركزية على حساب الديمقراطية.

2. الأسباب الذاتية

إن تفكيك علاقات الإنتاج الرأسمالية وتعويضها بعلاقات التعاون بين المنتجين الأحرار مسألة حاسمة في الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية لأنها تضع السلطة الاقتصادية، التي تشكل الأساس المادي للسلط الأخرى، في يد الطبقة العاملة وباقي المنتجين. والحال أن ثورة أكتوبر لم تعوض علاقات الإنتاج الرأسمالية بعلاقات التعاون بين المنتجين الأحرار، بل حافظت على العمال كأجراء لا يتحكمون في وسائل الإنتاج وفي المنتوج التي ظلت الدولة متحكمة فيهم من خلال التأميم والتخطيط المركزي البيروقراطي. أكيد أن ذلك لم يكن ممكنا في الفترة الأولى بعد نجاح الثورة نظرا لتأخر قوى الإنتاج والحصار والحروب التي فرضتها الإمبريالية على الثورة والحاجة إلى الأطر التقنية والاقتصادية الموجودة والتي أغلبها لم يكن شيوعيا وضرورة دعم التحالف العمالي ـ الفلاحي. لذلك طرح لينين السياسة الاقتصادية الجديدة.

3. ماهي أهم العوامل التي حالت دون تطوير علاقات الإنتاج الاشتراكية؟

الاشتراكية، باعتبارها مرحلة انتقالية بين بين الرأسمالية والشيوعية، هي بالضرورة مرحلة غير مستقرة يستمر فيها الصراع من أجل الشيوعية وضد الرأسمالية بينما أعلن الحزب من فوق أن الصراع الطبقي انتفى في المجتمع السوفياتي.

الاشتراكية، خلافا للرأسمالية، تتطلب التدخل الواعي والمنظم للطبقة العاملة وتنظيماتها الذاتية المستقلة.

إن رأسمالية الدولة، التي اعتبرها لينين ضرورية في الفترة الأولى من بناء الاشتراكية تم، من بعد، الإقرار بأنها هي الاشتراكية، وذلك لغياب تصور لدى الحزب للانتقال من علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى علاقات التعاون بين المنتجين الأحرار.

هناك كذلك الضعف الخطير الذي أصاب الحزب بسبب التغيرات التي طرأت عليه حيث أدت الحروب والتصفيات داخله إلى القضاء على أغلب الكوادر البلشفية وامتلاءه بعناصر لم تعش تجربة الحزب ولم تكن تمتلك التكوين الأيديولوجي والثقافة والقيم الشيوعية.

غياب التعددية السياسية، خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية ، هناك طبقات وفئات اجتماعية شعبية غير عمالية وغير كادحة ساهمت في انتصار الثورة وتتوفر على قوى سياسية تمثلها. وهو ما يعني أن الصراع الطبقي سيستمر، لكن اللجوء إلى فرض الحزب الوحيد والارتكاز إلى القمع والمنع أجهض ذلك.

فيما يخص العلاقات داخل الحزب، تم تعويض المركزية الديمقراطية بمركزية بيروقراطية وبعبادة الشخصية. كذلك تم تهميش دور السوفييتات وتركيز كل السلط في يد الحزب.

4. هل تؤكد الأزمات المتتالية للنظام الرأسمالي راهنية الثورة، وكيف ذلك؟

إن بلورة البديل الاشتراكي والشيوعي سيكون نتيجة نضالات الشعوب وطبقاتها العاملة والكادحة ومثقفيها العضويين من أجل القضاء على النظام الرأسمالي واحلال نظام أكثر عدل منه، لذلك سيعرف العالم سيرورة طويلة من النجاحات والإخفاقات، لكن ستفضي في نهاية المطاف إلى انتصار النظام الاشتراكي، فماركس وإنجلز ولينين لم يعطوا وصفة لبناء الاشتراكية. بل بالنسبة لماركس، الشيوعية هي الحركة التي تقضي، في نفس الآن على الرأسمالية والدولة.

فالمشروع الاشتراكي يجب أن يستوعب دروس فشل تجارب بناء الاشتراكية، عبر اجتهادات الحركة الشيوعية والتقدمية ونضال الشعوب من أجل تحررها. فيجب الاستفادة من التقدم في مجال حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية ومناهضة الحروب والبيئة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات الطبقية للتحولات الرأسمالية، وخاصة تدقيق مفهوم الطبقة العاملة اليوم بعدما اجتاح نمط الإنتاج الرأسمالي كل مناطق العالم وجل مناحي حياة البشر ولم يعد يرتكز، بالأساس، إلى الصناعة، بل في ظل تحويله للعلم والمعرفة إلى سلعة.

أعتقد أن الحلقة المركزية لضمان الانتقال إلى الاشتراكية هي أن تتوفر الطبقة العاملة وباقي المنتجين على الهيمنة الفعلية على الاقتصاد والمجتمع والدولة. وهذه الهيمنة يجب أن تتم بواسطة الحزب ومختلف التنظيمات الذاتية المستقلة عن الحزب التي تبنيها الطبقة العاملة والتي يجب أن يكون الحزب حريصا على ضمان استقلالها، بما في ذلك عنه. ومن الضروري أن يرتكز الحزب والتنظيمات الذاتية إلى المركزية الديمقراطية التي تضمن أوسع تداول قبل اتخاذ القرار ثم الانضباط العام بعد حسمه بشكل ديمقراطي.