الجمعة، آذار/مارس 29، 2024

الشيوعي: لمواجهة على مستوى التحديات

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
لا حلّ مع هذه المنظومة بل الحلّ يأتي من خارجها. والمواجهة حتمية...

يمرّ لبنان اليوم في ظروف هي الأخطر في تاريخه. فإلى جانب التطورات المتسارعة في المنطقة، والسباق المحموم نحو الحروب والعقوبات وفرض الشروط من جانب الإدارة الأميركية الحالية برئاسة ترامب، فإن المشهد الداخلي يؤكد مدى تعقد الأزمة واتساعها، على المستويات كافة السياسية والاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية، المتجهة حكماً نحو المزيد من التفاقم مع احتمال وقف دعم السلع الاستهلاكية الأساسية. أمّا عملية تشكيل الحكومة فتستمرّ محكومة بدائرة الشلل والتعطيل، بسبب التجاذبات المصلحية والفوقية بين أطراف المنظومة الحاكمة من جهة، وتصاعد وتيرة التدخلات الخارجية من جهة أخرى. وتضاف إليهما تبعات جائحة كورونا التي تفتك بالشعب اللبناني في غياب أي سياسة صحية جدّية ومسؤولة، وتطلق العنان لآليات البطالة والحرمان والفقر والتهميش الاجتماعي. أمام هذه المستجدات يؤكد المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني على التالي:
إنّ الوضع الحكومي، كما الاقتصادي والاجتماعي، يظهر عجز المنظومة السياسية عن توفير العلاجات التي ينتظرها الشعب اللبناني، في الوقت الذي تبقى فيه عيون القوى الحاكمة شاخصة نحو "حلول" موعودة من الخارج. ويرجّح أن لا تكون حكومة في المدى المنظور، في انتظار معرفة دفة الإدارة الأميركية الجديدة وكيفية تعاطيها مع الملفات المترابطة في المنطقة (صفقة القرن، التوطين، إيران، سوريا...). وأمام انسداد الأفق السياسي وتفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ليس للمنظومة الحاكمة شيئا تقدّمه إلى الشعب سوى المزيد من الاحباط والقلق والفقر والبطالة والجوع والمرض وتهجير الكفاءات، فضلاً عن انتشار الجريمة والمشاهد الميليشيوية المتجددة والخطاب المذهبي. يمكنها أن تشكّل البيئة الملائمة لأي تفجير أمني داخلي أو لعدوان أميركي – صهيوني على لبنان.
وأمام هذا الخطر الداهم، يرى الحزب الشيوعي اللبناني بأن إسقاط المنظومة الحاكمة ومشروعها الانتحاري هو واجب وطني لإنقاذ لبنان على أساس مشروع وطني للتغيير يحمل برنامجا محدّداً لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية؛ برنامجا يوقف مسار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ويفتح أفق المستقبل أمام اللبنانيين ويضع حدّا فاصلاً للتنازلات المتدحرجة أمام الضغوط الأميركية والصهيونية في المجالين السياسي والاقتصادي. فالموقف الأميركي المعلن الذي تُعبر عنه كل يوم السفيرة الأميركية يشكّل تدخلاً عدوانياً وقحاً في شؤون لبنان الداخلية، وهذا الأمر ما كان ليحصل لولا تواطؤ واستسلام وتبعية المنظومة الحاكمة التي أساءت ممارساتها وتسيء إلى كرامتنا الوطنية في الصميم. ونحن، إذ ندين هذه التدخلات والعقوبات المفروضة على قوى وشخصيات سياسية وقطاعات، نحذر هذه المنظومة المتهالكة من الاستجابة إليها.
لقد أفشلت قوى السلطة المحاولة الأولى لقيام تحقيق جنائي في الحسابات المالية للدولة ومصرف لبنان، بسبب تحجّج حاكمية مصرف لبنان بالسرية المصرفية حتى على حسابات الإدارات والمؤسسات العامة. وبعدها تولّى مجلس النواب القيام بعمل يشبه العمل المسرحي في محاولة للمضيّ في تمييع موضوع التحقيق، من خلال التوصيةً الفضفاضة التي اتخذها "للقيام بتحقيق واسع في كافة الوزارات والمؤسسات العامة". إذ كيف لمجلس نيابي فشل في التحقيق في ملفّ واحد (ملف مصرف لبنان) أن يوسّع بيكار التحقيق على كل مؤسسات الدولة واداراتها، وأن يشرّع ضد نفسه وضد منظومته السلطوية الفاسدة التي تتحمّل مسؤولية نهب المال العام. إن الاجماع المسرحي على هذه التوصية من قبل كافة الكتل النيابية يشي بأن ما حصل هو في الواقع امعان في التهرب من دفع الثمن وفي حماية المصالح التحاصصية المتبادلة التي وفّرت سياسات مصرف لبنان أحد أهم مرتكزاتها.
إن التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت قد دخلت في دهاليز منظومة الحكم وباتت مادة للابتزاز السياسي، وفي عهدة قضاء مصادر أمره من أوليائه. وما يجري فعلياً يعكس اتجاه قوى السلطة بتحييد المسؤولين الحقيقيين عن الإهمال والفساد، من وزراء ورؤساء من صلب المنظومة الحاكمة، وتحويل التحقيق إلى تحقيق بيروقراطي والقائه على عاتق بعض الموظفين بتهمة التقصير الوظيفي، أو على شركة التعهدات التي لم تلتزم معايير السلامة. أمّا حقوق مئات الشهداء وآلاف الجرحى فسوف يكتفى باعتبارهم إما شهداء كشهداء الجيش أو كمضمونين يستفيدون من تقديمات الضمان الاجتماعي. وعليه يذهب الحق العام صفراً وتقفل عليه جريمة العصر الكبرى. إن هذا المنحى يدفعنا إلى رفضه والضغط، وبكل الوسائل المتاحة، شعبياً وقانونياً، إذ يبقى رهاننا على الشارع وقواه.
أما الكورونا، فهي تقع بين قطاع صحي متهالك نتيجة إضعاف القطاع الصحي العام من قبل الحكومات المتعاقبة، وتغاضي الدولة عن التكتلات الاحتكارية المتحكمة بالقطاع الصحي الخاص، لا سيما سوق الدواء ومستلزمات التجهيزات الطبية والاستشفائية. وتفتقد الدولة إلى سياسات صائبة في مجال الفحوصات والتتبّع وتأمين الأسرّة وفرض اجراءات الإقفال المناسبة لكلّ مرحلة. وتفاقمت الأزمة المعيشية، بما فيها الصحية منها، أكثر لعدم تخصيص الدولة موارد لدعم العمال والمياومين والشركات والمؤسسات الصغيرة، وهي التي تضم الفئات الأكثر حاجة للدعم، فيما أقر المجلس النيابي مجتمعاً دعماً بقيمة 450 مليار للمستشفيات الخاصة و300 مليار للمدارس الخاصة. وأمام هذا العجز الرسمي وغياب خطة صحيّة واضحة وعدم قدرة المواطنين الأكثر فقراً على التزام الحجر بسبب الحاجة للعمل وسط غياب أي دعم، سيكون الوضع المعيشي والصحي مرشّحا للتفاقم حتى إشعار آخر، مع ارتفاع عدد الوفيات وتداعيات اجتماعية خطيرة. ومع بدء الحديث عن إنتاج اللقاحات ووصولها إلى لبنان خلال بضعة أشهر، يطرح الحزب ضرورة توزيع اللقاحات بشكل منهجي مدروس وعادل بحيث يبدأ مع المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة والقطاع الصحي وغيره من القطاعات ذات الاختلاط المكثف أولاً، وليس على قاعدة الزبائنية والفساد والمحسوبيات كما هو سائد في كافة ممارسات قوى السلطة في الإدارة العامة.
الوضع الاقتصادي والمالي، يتجه بشكل متسارع نحو مزيد من التردّي بسبب انكفاء المنظومة الحاكمة عن اتخاذ أي اجراءات علاجية، في وقت تستمر فيه الضغوط التي يمارسها القطاع المصرفي – المصارف ومصرف لبنان - ويستمر تهريب الأموال إلى الخارج كما يستمر السطو الفعلي على الودائع المصرفية عبر إخضاعها لأسوأ عملية "هيركات". والمجاعة قادمة مع استمرار تآكل القطاعات الانتاجية وإقفال المؤسسات والصرف التعسفي وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ومع توقّع رفع الدعم أو ترشيده على قدم وساق بطلب من مصرف لبنان. ومن هنا نرى بأن لا حل إلّا بكسر المنظومة القابضة على عنق الشعب اللبناني، وإرساء الأسس لنظام بديل..
إن المؤشرات المتسارعة للتطبيع تضع المنطقة أمام واقع مختلف، فيما يعيش الوضع العربي أسوأ أيامه. عملية الفرز السياسي أصبحت بائنة؛ حلف التطبيع جاهز للانقضاض، وبطلب أميركي صهيوني، لتصفية القضية الفلسطينية في إطار صفقة القرن، ولبناء تحالف سياسي عسكري لمواجهة كل من لا ينضم إلى التطبيع وصفقاته. وتستهدف إيران اليوم بضربات أمنية واغتيالات لمسؤولين أمنيين ونوويّين.. وتتعرّض سوريا لاعتداءات صهيونية مستمرة، كما هو حال غزّة وكل المقاومين والمنتفضين في الضفة الغربية والأراضي المحتلّة.
إن لبنان الغارق في أزماته منتظراً الترياق القادم من الخارج، ومن "ماكرون وأخواته"، لن يقوى على الصمود أكثر. فمهما كانت الاجراءات، فما هي إلّا مسكنات لإمرار الطامة الكبرى المحدقة بالمنطقة. لبنان في مخاض رسم الأدوار المطلوبة منه. استشراء الخطاب المذهبي والطائفي، والذي بان في النقاشات الأخيرة حول قانون الانتخاب، وهو الواقع على خطوط التقاطعات ومصالح الدول النفطية، سيفاقم الشلل الواقع فيه، والذي، ربما هو المطلوب اليوم، مدعوماً بضغط اقتصادي ومالي وخطر أمني صهيوني؛ الكباش سينتج منه مزيداً من التوترات ومن فرض الشروط والعقوبات، وتردّي الوضع المالي سيؤدي باللبنانيين إلى حدّ المجاعة وتعطّل مؤسسات الدولة. لا حلّ مع هذه المنظومة بل الحلّ يأتي من خارجها. والمواجهة حتمية...
بيروت في 30 تشرين الثاني 2020
المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني.