الخميس، نيسان/أبريل 25، 2024

الموت على الأبواب

  نصري الصايغ
لبنان
خذ حصتك من الموت. اللبنانيون في ضيافة الموت. القول السائد: “الموت على الأبواب”. كل هذا صحيح. أي أننا على وشك النهايات المتتالية. ولا ذرة تفاؤل. لا بصيص أمل.أننا نهوي إلى ما بعد الهاوية.

ألام دائماً، لأنني أشبه “ورقة نعوة”.

حاولت مراراً أن أنتشل قلمي من هذا الجحيم اللبناني. فشلت. ما أراه وأتحسسه، أننا نسرع الخطى باتجاه الموت. والأدلة كثيرة على هذه المرحلة المأساوية.

لاحظوا هموم الطغمة السياسية فائقة اللاشعور. إنهم ينتمون إلى العصر الطائفي السائد. الناس تبحث عن حبة دواء، فيما هم يبحثون في جنس الحكومة. ما زالوا حيث كانوا: سادة النهب والسرقة والاغتصاب والفتك. جلدهم سميك جداً. بلا إحساس يتمتع به الحيوان الأليف. يتصرفون وكأن شيئاً لم يكن. كأن لبنان ليس مفلساً، أو كأن الدولة لا زالت دولة لا مزرعة مخلَّعة. أو كأن لبنان يتحمل الجدل البيزنطي الطائفي وهو راكع على جبهته يستعطي حبة دواء، رغيف خبز، سلة غذائية غير فارغة. أولاً…كأن شيئاً لم يكن أبداً. أو كأن 17 تشرين مرَّ عليها الزمن ولا قيامة لها، أو كأن كارثة انفجار نيترات الأمونيوم، والتي دمرت ثلث العاصمة وتركت عشرات الألوف في العراء، بلا غطاء، لولا تبرعات مباركة من قبل من لهم قلوب قبل الجيوب. اسمعوهم، واحداً واحداً. فإنهم في كوكب آخر، بعيد جداً عن لبنان، ويولون اهتمامهم بأنفسهم وحاشيتهم وأغنامهم من البهائم البشرية.

راقبوهم واحداً واحداً. سموهم بأسمائهم وأسماء “أحزابهم” المصابة بسفلس عقلي، ويفضلون العاهات السياسية على العافية الإجتماعية. القصر الرئاسي في بعبدا؟ لا. إنه في قارة أخرى من القارات الطوائفية المترامية الأطراف. هل عرف بأن المرضى على حافة التسوَّل لدواء؟ هل عرف أن السلة الغذائية منهوبة؟ هل هو على علم بأن الهجرة طاردة للخبراء والأذكياء والفقراء؟ وألف هل وأكثر. الرئيس الذي كلف نفسه برئاسة الحكومة، هل يعرف أن سكان بيروت المنكوبة لم يجدوا بعد مأوى: هو يعرف ولكنه مشغول عن ذلك بخياطة حكومة على قياسه وحده، بعد ما فشل مع الرباعي السني في إلباس لبناني مجهول ومحترم تأليف “حكومة مهمة”. تعبير سياسي جديد اخترعه ماكرون، على قياس شهور قليلة. حتى هذه انقلبوا عليها وفتكوا بها. اسمعوا “الثنائي الشيعي”، إنه يكرر المعزوفة نفسها. لقد مللناها. احترق ديننا منها. يريدان المالية مطوبة للشيعة. منذ متى هذا الإفتاء الطائفي. يريدان تسمية المرشحين للوزارة، يريدان التمسك بالأعراف… ولو!!! أليس في لبنان فقراء؟ أكثر من نصف الشعب اللبناني يتسَّول اللقمة، ويخزن الأغذية والأدوية في البيوت، كما يخزن المحروقات المتفجرة. ليس. المهم هو الطائفة الشيعية، وليصطفل الآخرون، وليعش اللبنانيون على الفتات، بلا كرامة ولا جباه عالية…

ثم، وهنا الكارثة، زعيم “القوات اللبنانية” “ثائر” من أجل هدف واحد لا غير. الوصول إلى بعبدا بعد تحويل “التيار الوطني” إلى ركام. هو أيضاً، يبرز عضلاته ولم نعرف شيئاً عن مشاريعه الإنقاذية. فقط يتبارى مع أقرانه الطائفيين بالعفة المالية!!! من أين لك كل هذا. مشغول بتأمين دعم دولي وعربي وجيراني لبلوغه سدة الرئاسة. أليس هذاما قاله وليد جنبلاط بعد مائدة باريس؟

وليد جنبلاط درزي فقط. هو مسؤول عن طائفته وطائفته تمده بالبقاء إلى أبد الآبدين. أباً عن جد لإبنٍ لا يريد السياسة. هو جزء متمكن من السلطة من خلال امساكه بمناهل الدولة المالية. وهو على ثرائه، محبوب من فقراء طائفته. لقد أمنَّ لهم المازوت وال… كي لا يموتوا على أبواب الدكاكين والمؤسسات الصحية… أما التيار، فكأن شيئاً لم يكن. يتدحرج تراجعاً بسبب ارتكاباته واستعلائه. التيار منشغل بالعهد الذي لم يعد قوياً. يدَّعي أنه الثورة، وهو يعرف أن هذه الثورة في معظم تلويناتها ضده وضد منطق القوة الغاشمة، وضد أن يلمس شريطاً له علاقة بالكهرباء.

أيها اللبنانيون، هؤلاء هم حكامكم. لا يسألون عنكم. عن جوعكم. عن مآسيكم. عن بؤسكم. عن فقركم. عن أمراضكم. عن مدارسكم. عن مستقبلكم… إنهم في غاية الانفصام عنكم. إنهم ليسوا لكم، ولا يهمهم ما آلت إليه أحوالكم من بؤس. لبنان يموت وهم أحياء يرزقون، ويقتاتون من لبنان بما يشتهون. الإفلاس أصاب اللبنانيين، ولكنهم، أصابوا نصيباً من أموال الدولة التي هي أموال المواطنين. إنهم شركاء السارقين والعابثين بأموال المصارف، التي هي جنى أعمار اللبنانيين.

ماذا أنت فاعل غداً أيها اللبناني. إنك أمام حل من اثنين، إما أن تموت بالضربة القاضية، أي الإفلاس والإنهيار، وإما أن توجه قبضتك لهذه الطغمة التي لا مثيل لها في تحكمها وتجبرها وغربتها وآفاتها.

إما أن تموت غداً جائعاً أو على أبواب المستشفيات بلا دواء، وإما أن تستجمع كل قواك وتطردهم خارجاً.

قبضتك هي الحل.

*المصدر: موقع على الطريق