الثلاثاء، نيسان/أبريل 23، 2024

بالوثائق: السلطة كادت تهرّب "سافارو".. ومحامون أنقذوا تحقيق المرفأ

  ادارة الموقع
لبنان
تذرّع السلطة السياسية بـ"الشق الخارجي" من التحقيق في انفجار المرفأ سقط فعلياً (Getty)
  بينما تعمد السلطة السياسية على عرقلة التحقيق في جريمة انفجار المرفأ، تمكّن الوكلاء القانونيون عن الضحايا الأجانب من الفئات المهمّشة، المحامون مازن حطيط وطارق الحجار وفاروق المغربي وحسام الحاج من انتزاع قرار بريطاني بتمديد تجميد تصفية شركة "سافارو ليمتد" المسؤولة عن شحنة نيترات الأمونيوم التي فجرّت بيروت يوم 4 آب. المحامون الأربعة راسلوا سجل الشركات البريطاني (Companies House)، وهي أشبه بالسجل التجاري، وتمكنوّا على مرحلتين من تمديد تجميد تصفية الشركة التي تدور حولها الشبهة حتى 8 آب 2022. فالعرقلة التي تنتهجها السلطة السياسية لملف التحقيق في انفجار المرفأ كادت أن تؤدي إلى تهرّب شركة سافارو ليمتد من مسؤولياتها في ملف شحنة نيترات الأمونيوم التي فجّرت مرفأ بيروت. لكن محامين أربعة كانوا يقظين وغطّوا تقصير الدولة اللبنانية.

تمديد أول
وحسب ما علمت "المدن"، فإنّ قرار تجميد تصفية شركة سافارو كان سينتهي في 11 كانون الثاني الماضي. وبناءً على مراسلة المحامين لسجل الشركات البريطاني، تم تمديد تجميد التصفية لأسبوعين، أي حتى الأسبوع الأخير من كانون الثاني. وقبل الحصول على قرار التمديد الأول، تلقى المحامون رسالة من سجل الشركات يفيد بأنه "يتعذّر تمديد التجميد من دون الحصول على أدلة ووثائق إضافية تؤكد التقدّم على مستوى الادعاءات التي تقدّمتم بها". فقام الموظف المسؤول بتمديد التجميد لـ14 يوماً. وهو ما يعني أنّ غياب نتائج التحقيقات تساهم في عرقلة الأعمال الخاصة بسجل الشركات (يمكن الاطلاع على قرار التجميد أدناه).



عمل المحامين
إلا أنّ المحامين لم ييأسوا، وعملوا على التواصل مع المسؤولين في سجل الشركات مجدداً، محاولين الحصول على تمديد إضافي. وفي هذا الإطار، وجّهوا رسالة أولى إلى النائب في البرلمان البريطاني كواسي كوارتنج الذي يملك صلاحية الإشراف على سجل الشركات البريطاني. وأحالهم كوارتنغ إلى وزير الأعمال والطاقة والاستراتيجيا الصناعية، اللورد مارتن كالانان. وجاءهم من الأخير رد إيجابي.

رسالة كالانان
عبّر اللورد كالانان عن صدمته من الانفجار المأساوي الذي وقع في مرفأ بيروت، آملاً أن تكون المساعدات التي قدّمتها الحكومة البريطانية قد ساهمت في تخفيف الأعباء على اللبنانيين على المستوى الطبي والمعدّات الاستشفائية. كما أكد على تمسّك حكومة بلاده بإجراء تحقيق شفاف في انفجار المرفأ ينال ثقة الشعب اللبناني. ومن أبرز ما جاء في ردّ كالانان أيضاً تأكيده على أنّ "مكتب خدمات الإعسار المالي في الحكومة البريطانية سبق وباشر في تحقيقاته حول العلاقة بين شركة سافارو ليمتد وانفجار مرفأ بيروت" (يمكن الاطلاع على رسالة كالانان أدناه).



طلب جديد
وبناءً على مضمون رسالة كالانان، توجّه المحامون مجدداً إلى سجل الشركات البريطاني عارضين واقع أنّ السلطات البريطانية لا تزال تجري التحقيقات أيضاً حول ضلوع شركة سافارو ليمتد في انفجار المرفأ. وتقدّموا بطلب جديد لتمديد تجميد تصفية الشركة، ضامّين الطلب برسالة كالانان وواقع العرقلة والتأخير التي تفرضه السلطة السياسية في لبنان على التحقيق في جريمة 4 آب. وبناءً عليه، اتّخذ سجل الشركات قراراً بتجميد التصفية حتى الثامن من آب 2022.

ملاحظة جوهرية
هكذا يكون هذا القرار هو الثالث من نوعه لتجميد طلب تصفية شركة سافارو ليمتد. لكنّ الملاحظ أنّ القرار جاء هذه المرة، وعلى عكس المرّات السابقة، مذيّلاً بملاحظة جوهرية، ومفادها الآتي: "يتعيّن على جانبكم في حال تقديم طلب اعتراض جديد على تصفية شركة سافارو، أن تقدّموا الاعتراض قبل أسبوعين من المهلة المحددة. كما يتوجّب عليكم تقديم مستندات تدعّم موقفكم وطلبكم، ولن يتم تمديد التجميد في حال عدم تقديم هذه الوقائع". أي أنّ المطلوب نتائج ملموسة من التحقيقات التي تتمّ في بيروت في الشق الخارجي من الملف (يمكن الاطلاع على المقتطفات الأساسية من مراسلة سجل الشركات البريطاني أدنا).




خلاصات أساسية
من أبرز الخلاصات الأساسية التي يمكن استنتاجها من كل الوقائع السالفة أنّ قراراً بريطانياً صدر بتمديد تجميد تصفية شركة سافارو ليمتد حتى 8 آب 2022.، وأنّ أي تمديد إضافي لتجميد التصفية يستوجب قرارات أو إجراءات قضائية ملموسة. ومن الخلاصات الأساسية الأخرى، أنه:

أولاً، في بريطانيا مسؤولون حكوميون لا يزالون يتابعون التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت ودور سافارو ليمتد في جريمة 4 آب.

ثانياً، أنه لولا تمسّك المحامين الأربعة للدفاع عن الضحايا الأجانب من الفئات المهمّشة بطلب تجميد تصفية الشركة وملاحقة الموضوع مع نواب ووزراء بريطانيين، لكان المسؤولون عن هذه الشركة قد نجحوا في إخفاء شركتهم للتهرّب من أي علاقة بشحنة النيترات وانفجار المرفأ.

ثالثاً، أن عمل المحامين الأربعة غطّى على تقصير الدولة اللبنانية في متابعة موضوع تجميد تصفية شركة سافارو. إذ لم يبادر أي جهاز في الدولة، في وزارة الخارجية أو العدل أو الحكومة عموماً، إلى التواصل مع السلطات البريطانية وفق الأصول الديبلوماسية المتّبعة، من أجل متابعة هذا الملف أو غيره المندرجة في ملف التحقيق في مجزرة 4 آب. كل هذا طبعاً في ظلّ كف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أيضاً.

رابعاً، أنّ السلطة السياسية كانت على قاب قوسين أو أدنى من أن تطيّر تجميد تصفية شركة سافارو ليمتد من خلال عرقلة التحقيق وتعطيله. وهذه السلطة نفسها هي التي تسأل، في حملاتها المنظّمة على القاضي البيطار، وعلى لسان مراجعها السياسية والحزبية والدينية: لماذا لا يحقّق في من أحضر نيترات الأمونيوم؟ لماذا لا يصبّ جهوده على الشق الخارجي؟ هل لديه الحقيقة بخصوص كيف ولماذا وصلت هذه الشحنة إلى مرفأ بيروت؟ ولصالح من؟

هذه الأسئلة المردودة إلى أصحابها حُكماً، يمكن ردّها مع سلّة من الأسئلة والتساؤلات الأخرى. ومنها: هل السلطة السياسية وصلت في أفعالها حتى إلى حدّ التواطؤ لتطيير مسؤولية سافارو في انفجار المرفأ؟ لمصلحة من تمرير تصفية سافارو ليمتد وتغطية أعمالها ودورها في شحنة نيترات الأمونيوم؟ لمصلحة من ضرب السلطة القضائية بشكل عام وتكبيل أيدي القضاة؟ لمصلحة من وقوع الدولة ومؤسساتها بكل هذا التقصير والإخفاق؟ ولمصلحة من تيئيس اللبنانيين عموماً، وأهالي الضحايا والشهداء والمتضررين والمنكوبين من المجزرة خصوصاً، من إمكانية الوصول إلى الحقيقة وتحقيق المحاسبة؟ لماذا لم تبادر السلطة السياسية، هي التي تسيطر على الرئاسات والبرلمان والحكومة، إلى العمل من أجل منع تصفية شركة سافارو؟ هل يعني كل ما سبق أنّ تذرّع السلطة السياسية بـ"الشق الخارجي" من التحقيق في انفجار المرفأ قد سقط فعلياً، وما هو إلا ذريعة لحماية رجالها المدّعى عليهم ومنع المساءلة عنهم؟
الأجوبة واضحة، لكن طرحها أكثر من ضروري، وأشبه بتمرين يومي حتى لا تضيع البوصلة ولا يضيع الحق معها.

a l m o d o n o n l i n e