ندوة غسان كنفاني: في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية.. رؤية نقدية

  بوابة الهدف
فلسطين

عقدت ندوة غسان كنفاني ، التي تنظمها "بوابة الهدف الإخبارية بصورة دورية، لقاءً جديدًا، على شرف الذكرى 53 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي حضرة الذكرى خصصت محاور اللقاء لتُركّز على "الرؤية النقدية" للحزب، على مدار سنوات النضال والمواجهة مع الاحتلال الصهيوني، وغيره من التحدّيات وساحات العراك المجتمعي والسياسي.

واستضافت الندوة داخل الأستوديو في مدينة غزة -وبمراعاة إجراءات التباعد الاجتماعي وشروط السلامة في ظلّ تفشّي جائحة كورونا- الكاتبين والمحلليْن السياسييْن: طلال عوكل، ومحسن أبو رمضان، إلى جانب الصحفي والكاتب مهند عبد الحميد من مدينة رام الله المحتلة، عبر تقنيّة الاتصال المرئي "سكايب". وأدار اللقاء الكاتب والصحفي حسين الجمل.
وافتتح الصحفي الجمل اللقاء، بتوجيه تحيةٍ لشهداء وأسرى الشعب الفلسطيني، ومنهم شهداء وأسرى الجبهة، مؤكدًا على عهد الشعبية بالسير على درب هؤلاء الأبطال. وبدأ أوّل محاور النقاش بطرح تساؤل: "كيف تنظرون إلى مكانة الجبهة بعد 53 من النضال والعراك، مع الاحتلال وغيره ممن اختار مسارًا مضادًا للثورة، كيف تنظرون إليها في هذه الظروف الغاية في الخطورة والصعوبة، في ظل محاولات تصفية القضية الفلسطينية والمشروع الوطني".
مُوجهًا التحية للجبهة في ذكرى تأسيسها، افتتح الكاتب عبد الحميد ردّه على التساؤل المطروح بأن النقد له جانبين: سلبي وإيجابي، وبادئًا بالإجابي قال "إن الجبهة لعبت دورًا في إدخال وإيجاد التعدد السياسي والثقافي والديني. بعيدًا عن هيمنة اللون السياسي الواحد. كما كان لها مساهمة في إدخال الأفكار التقدمية إلي مجتمعنا المُحافِظ، في مواجهة أفكار التحريم والترهيب التي قادها نهجٌ سياسي متأثرًا بالمدرسة الدينية المتزمّتة. كما ساهمت الجبهة في أن يكون الفكر اليساري التقدمي جزءًا من مكونات الحركة السياسي والمجتمعة والثقافية. كما عززت الموقف الجذري من الكيان الصهيوني".

وطرح الصحفي الجمل محورًا آخر للنقاش، قدّمه بالقول إن الجبهة وعلى مدار سنوات الثورة الفلسطينية المعاصرة رفعت شعار إصلاح منظمة التحرير بل واتخذت خطوات عملية واحتجاجية في محاولة إصلاحها، لكن للأسف كل هذه الخطوات أخفقت في تحقيق مُرادها، لقد أخفقت الجبهة في التأثير وتحقيق هذا المسعى فيما يتعلق بالمنظمة. وردًا على هذا رأى الكاتب والصحفي عبد الحميد، أن "في قضية إصلاح المنظمة وغيرها من القضايا، المطلوب ليس مجرد النقد، ولكن القضية هي كيفية ممارسة الضغط وتقديم البدائل والحلول، وهي معركة إزاحة قوى، فحين تم طرح اتفاق أوسلو، الأصل لم يكن معارضة الاتفاق بل تقديم مسار آخر، فحين يتعثر مسار أوسلو سيتبين أن المسار الآخر هو الصحيح، لقد كانت الجبهة تكتفي بالمعارضة والرفض..."
واستكمالًا للمحور السابق، تساءل الصحفي الجمل، حول أسباب هذا الإخفاق، وقال: ألا يعد هذا خطأ في تحديد الأولويات، وألم يكن من الأهمية بمكان سعي الشعبية في توحيد قوى اليسار في مواجهة تفرد وهيمنة قيادة المنظمة وعليه ربما تكون فرص الإصلاح أقوى؟!".

الكاتب طلال عوكل، الذي بدأ مداخلته بتوجيه التحية للشعبية، والإشادة بقرارها الاحتفال بذكرى انطلاقتها بالعمل التطوعي وهو ما يؤكد دورها المجتمعي. قال "كل الإيجابيات لا تنفع اليوم في توصيف الواقع الحالي؛ القضية والفصائل والمجتمع.. الكل مأزوم، نحن نعيش أزمة عامة، وهذا يشكل الأساس للنقد. لو سألنا الجبهة بعد هذه السنوات ما هي مكانتها اليوم وقدرتها على التغيير والتأثير في الوضع الحالي، إنما فيروس التشتت بين مكونات اليسار هذا الذي لم نستطيع حتى اليوم التغلب عليه..."


وتطرق عوكل للحديث عن الأكثر فاعلية، هل هو القتال من الداخل أم من الخارج؟ منتقدًا سياسة الانسحاب كما فعلت الشعبية في منظمة التحرير. ورأى أن قوى اليسار بإمكانها فعل شيء إن كانت مجتمعةً. ومنذ أولى محاولات الوحدة بينها في ثمانينات القرن الماضي، كانت هناك مبادرات فاشلة لم تتصل بعمل جدي يفضي لوحدة حقيقة.

وعن الثغرات التي واجهتها قوى اليسار، ومنها الشعبية، استحضر عوكل مثال منظمات المجتمع المدني، وقال: هذا هو الامتداد المجتمعي لك كتنظيم، فالجبهة وحدها غير قادرة على تغيير منهج تعليمي أو قيم مجتمعية بدون التعاون مع هذه المكونات: مجتمع مدني، نقابات، تحالفات سياسية.. إلخ، الشعبية لم تنجح في هذه الأطر، فكيف ستساهم بفعالية في إصلاح منظمة التحرير..."
وفي محور إضافي ناقشه اللقاء، وقدّمه الصحفي الجمل بمقولة الحكيم المؤسس جورج حبش "قد نخسر معركتنا السياسة او العسكرية لكن علينا ألا نخسر معركتنا الثقافية"، فهل لا تزال الأولوية هي للمعركة الثقافية لدى الجبهة،كما يتضح من مقولة الحكيم؟ وفي تعقيبه على هذا المحور وردًا على التساؤل، قال عوكل "إن الأولوية موجودة ولكن الدمار كبير. منذ اتفاق أوسلو بدأت الجبهة الثقافية تتدمر، والانهيارات لا تزال مستمرة في الموضوع الثقافي. متسائلًا: أين تحالفت الجبهة على المستوى العربي، وتحالفات ياقي قوى اليسار، التحالفات القادرة على أن تحمل معك الأعباء الثقيلة جدًا".

وأضاف "إمكانيات الجبهة ضعيفة، ولا تلام على ذلك، والعمل اليوم بحاجة لإمكانيات وموارد ضخمة وكبيرة، ولكن بالتعاون والتحالف باستطاعة هذه القوى اليسارية وامتدادها في مؤسسات المجتمع المدني، أن تقدم فكر مقاوم وثقافة مقاوِمة بإمكانها التغلب على النهج الاستسلامي النفعي أو تخفيف حدة الأفكار الاستسلامية.

وفي مداخلته، وردًا على تساؤلٍ حول مدى ملائمة أساليب المقاومة المتبعة حاليًا للمرحلة الراهنة، وإلى أي مدى تقوم هذه الفصائل بالدور المناط بها. قال الكاتب د.محسن أبو رمضان إن الجبهة الشعبية قدمت فكرة الكفاح المسلح على أشكال العمل الجماهيري والنقابي حتى بداية الثمانينات، بعدها صارت تشكل جبهات العمل الطلابي والنقابي والأطر النسوية وغيرها. ورأى أن تقديم فكرة الكفاح المسلح أعاق من قدرتها على التواصل مع الجماهير لفترة زمنية طويلة، رغم البعد التضحوي الهائل.

كما رأى أبو رمضان أن أسباب تراجع قوى اليسار جميعها تعود لعدة عوامل، منها: انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، وعدم فلسطنة (تعريب) الفكر التقدمي واستمرار تبعته للاتحاد السوفييتي وقبله للكومنتير.

وناقشت ندوة الهدف بمشاركة ضيوفها العديد من المحاور الهامة تحت العنوان الذي حمله اللقاء، في الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاقة الجبهة الشعبية: رؤية نقدية. تتابعونها، إلى جانب المزيد من النقاش ضمن المحاور المذكورة أعلاه، في الفيديو المرفق للندوة.