بين العقال العربي وكرافات ماكرون، لبنان والمنطقة إلى أين؟

  محمد هاني شقير
رأي
كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هنا، بين ظهرانينا، ضابط اسمه رستم غزالي، يدير من فوق، من عنجرنا حيث مركز قيادته، دفة اللعبة السياسية في لبنان. هي لعبة بالنسبة إليه، يتحكم من خلالها بجميع من يمسك بقرار الشارع، فكانوا طائعين إرادته، بلا أي اعتراض؛ كالجنود النجباء يتحركون تحت شعار "نفّذ ولا تعترض" حتّى إنّ هذا الشعار مع الوصاية تغيّر، إذ لم يعد هو هو. أفلم يقل جورج حاوي يومًا: سورية بحاجة الى حليف يرى بعينيه وليس أعمى؟


دارت الأيام والسنون، وثبت أن الحليف الواعي خيرٌ من ألف حليفٍ مغمى عليه!
فالوطن بالنسبة إليهم شركة مساهمة، يتقاسمون إنتاجها بالتكافل والتضامن مع الوصي الصغير.
فشلت تجربةُ دمشق ذات الطبعة السعود-اميركية، وهي التي جعلت لبنان بلدًا متهاويًا، مشرّدوه ضربوا رقمًا قياسيًّا، ومهاجروه فقدوا لغتهم الأمّ، وفقراءُه ما زالوا يزدادون اطّرادًا، ومعظمهم على أبواب الجوع يتسوّلون! ونكتة هذا العام "الإعاشة الشهرية" والتأمّل في حصّة منها لا يخلو من ذلّ على اللبيب؟! وقد صدق نزار قبّاني حين وضع معادلة الجوع الكافر والشبع الكافر. ناهيك عن مديونية تراكمت أموالها في جيوب الساسة والمحسوبين عليهم، حتى فاقت المئة مليار دولار، نصفها "ذاب" في التيّار الكهربائي الذي عكف عن المجيء سوى خجلًا!
... ولأنّنا على باب عام دراسي جديد، حقّ علينا أن نلمح إلى قطاع التربية، وخرافة ال 300 مليار ليرة لدعم هذا القطاع، وكلّ العيون مصوّبة على المدرسة الرسمية الملاذ الأخير للمواطن الفقير، في مغامرة بطلها دولار يحتار لبنان من أين يستدينه، أمن صندق نقدٍ أميركي الهوى أو هو لا يقوى على استرداد أموالٍ طارت نحو بلادٍ بعيدة؟
يا أبناء لبنان، إذا استفقتم صباح غد، انظروا في المرآة، وتذكّروا كم أنكم عاهدتم أن تشبهوا لبنانكم! ثمّ عودوا وانظروا إلى المدرسة الرسمية، والجامعة الوطنية، تأكدوا قبل أن تأخذوا قرار المتابعة، إن كانت لا تزال تشبه لبنانكم، ومعها ذرّعوا أنظاركم في دور الحضانة، والشوارع، والمستشفيات، والدكاكين، والحدائق... ولولا العيب، لطُلِب منكم أن تعيدوا الاستماع إلى النشيد الوطني... وإذا اصطدمتم بما كنا نُحذَّر منه، من وطن أُلبسه زعماؤه لباس الطائفية، فلا تتعجّبوا؛ لأنّ أيادينا هي التي كانت تصفّق لهم، ورؤوسنا هي التي كانت تنحني أمامهم...
أمّا اليوم، وبعد مجزرة الفساد والإهمال والمحسوبيات والتخاذل، وما ضرب لبنان في الصميم، وتوّج بانفجار مرفأ بيروت، وبعد فشلهم الذريع في الحكومة المستقيلة ذلًّا وقسرًا، ومحاولة وضعهم العصيّ في دواليب لم تقلع أساسًا، وبعد أن فشلوا في لبننة قراراتهم، ولبننة خياراتهم، ها هم، يطيعون سيدًا آخر، هو "غودو" إفرنجي، وإنّما هو نسخة 2020 العائد لا محالة، بوعد من وراء الحدود، وربّما اختلف عن ضابط الوصاية السابق الذّكر، وحتى عن ضباطٍ نسخة 1920، المفوضون السامون، فشقيقهم، وإن كان رئيسًا، لن يأتي ليشارك في كلّ حصص البلاد، وهذا أمر مستبعدٌ على صعيدٍ فرديٍ، ولكنه، ينشد علاقات من نوع آخر، تنطلق من لبنان لتتلاقا في أطرافٍ اقليمية أخرى، فالفرنسي يبحث عن دورٍ له في المنطقة، بعد أن استشعر أنّ التركي يتمدّد بلا خوف، ويصطاد البلاد الخلفية للمستعمر الفرنسي.
إذن، ماكرون الذي خرج الشعب الفرنسي ضدّ سياساته، ولم يكُ بمقدوره أن يلبّي مطالبهم، ولا حتى أن يطلق سراح معتقلٍ في سجونه بأمر أميركي، ها هو اليوم، يحاول نقل أزماته، ويسعى إلى ترحيلها إلى خارج حدود بلاده، سعيًا لاستعادة دورٍ افتقدته فرنسا خصوصًا، وأوروبا عمومًا في المنطقة، وهذا تحت ضربات الولايات المتحدة الاميركية التي صادرت كلّ اوروبا، فيما عجزت عن مجابهة الصين الصاعدة بقوّة اقتصادها وقيْمها الضاربة في تاريخها من كونفوشيوس إلى ماو تسي تونغ.
ويتساءل اللبنانيون:
ترى ما الذي يجعل فرنسا/ماكرون تهبّ لنجدة طبقة سياسية أنهكت وطنًا لا يوازي تعداد شعبه تعداد مدينةٍ فرنسية واحدة؟
وهل يسعى الفرنسيون لتأدية دور ما في سياق صفقة العار، صفقة القرن، يرسمونه مع الاميركي بغية ترتيب وضع منطقة الشرق الأوسط، من أربيل حتى الناقورة؟ وما هي حدود الدور الروسي؟ وبالمناسبة، وجب أن نسأل أيضًا عن الدور الإيراني في كلّ هذه الترتيبات واحتمالاته؟ كلّ ما نخشاه، هو أن تستمر الأسئلة من دون أن نلقى أيّ جواب!