السبت، نيسان/أبريل 27، 2024

أبو معروف (مأمون أبو شقرا): حارس السنديانة

لبنان
 جانب من نضالات الرفيق مأمون أبو شقرا، كما يرويها رفيق من قيادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية

" الأبطال لا يموتون بل يخلدهم التاريخ. افعالهم واهدافهم التي آمنوا بها وناضلوا من اجلها تبقى مغروسة في ذاكرة شعبهم خالدة لا تموت "

رحل رجل المهمات الصعبة، حيث عمل في أحلك الظروف التي مر بها حزبنا ووطننا لبنان وأصعبها. سأروي بعضًا من جانب عمل هذا القائد المناضل الشجاع المتواضع، دمث الأخلاق.

  بعد عملية جنوب الليطاني في ١٤ اذار من عام ١٩٧٨ اقام العدو الاسرائيلي حزاماً امنياً تحت قيادة العميل سعد حداد. خلال هذه الفترة تعرفت لأول مرة على الرفيق ابو معروف (مأمون أبو شقرا) في احدى الأماكن غير المعلنة للحزب. كان لقاءً جمع النواة الاولى لتشكيل قوات عسكرية- أمنية سرية من مهامها العمل خلف خطوط العدو في ظروف الاحتلال. كان الرفيق مأمون مسؤولًا مركزيًا عن متابعة تنظيم هذا التشكيل الجديد وتأمين كافة احتياجاته وعن أمور اخرى تختص بحماية حزبنا.

 في ١ تشرين الاول من عام ١٩٨١، دوّى انفجار ضخم في شارع الطيبي في بيروت من خلال عبوة كانت موضوعة داخل سيارة مرسيدس مركونة بالقرب من المكاتب المركزية للحزب الشيوعي اللبناني. ادى الانفجار هذا الى تدمير العديد من المباني التي تحتوي على مكاتب للمقاومة الفلسطينية الى جانب التدمير الذي لحق بمركز حزبنا. ذهب ضحية التفجير حوالي ٨٣ شهيدًا وأكثر من ٢٠٠ جريحًا ومن بينهم الرفيق الشهيد مروان بشارة الى جانب عدد من الرفاق الجرحى من بينهم الرفيق جورج الهبر عضو المكتب السياسي والمسؤول الأمني في الحزب. نجا باقي الرفاق بأعجوبة ومن بينهم الرفيق مأمون (الذي كان قد نجا سابقاً من محاولة اغتيال اصيب فيها بجروح بليغة).

بعد ساعةً واحدة من الانفجار كنت على موعد معه في منطقة الجامعة العربية بالقرب من مركزنا كي يوكلني بمهمة جديدة. تم طبعاً ارجاء الموعد حينها.

 تصاعدت وتيرة الهجمات والمعارك في الداخل بين القوى المتصارعة واشتدت عمليات الإرباك من تفجيرات واغتيالات استهدفت المناطق والقوى الوطنية. كل هذه المؤشرات الى جانب المعلومات اكدت لنا قرب حدوث اجتياح من قبل العدو الإسرائيلي.

التشكيلات العسكرية والأمنية التي كان يتابع عملها الرفيق " ابو معروف " تعمل بأقصى طاقاتها وتستعد أيضا للظروف الأصعب القادمة. في ٦ حزيران ١٩٨٢ بداء اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان بعملية وصلت حتى بيروت.

 خلال حصار بيروت، كانت هناك مجموعة من خمسة رفاق ورفيقات. كانوا يمكثون في احدى المباني من المدينة. كان ممنوعًا عليهم مغادرة هذا المكان او حتى فتح النوافذ. كان الرفيق أبو معروف الشخص الوحيد الذي يعرف مكانهم بالإضافة إلى نائبه المكلف من قبله.

ليلًا وفيما كانت قذائف العدو تتساقط على اغلب مناطق بيروت، يطرق باب المبنى بطريقة متفق عليها، بحذر شديد فيفتح أحد أفراد المجموعة الباب ليدخل الرفيق ابو معروف حاملًا رشاشًا وكان التعب والارهاق وعدم النوم منذ فترة بادياً على مظهره. بعد إلقاءه التحية على الرفاق الذين بان عليهم الذهول لمجيئه في هذا الوقت وفي هذه الظروف الصعبة معرضاً نفسه للخطر، وضع سلاحه جانباً واتخذ من احدى الاماكن مكانًا له للاستراحة وفي اقل من دقائق كان يغفو بملء جفنيه.

مضت ساعات قليلة على نومه. حضرنا الشاي الساخن ووجبة طعام ما بعد منتصف الليل: معلبات من الجبنة وقطع قليلة من الخبز، هذا كل ما كان لدينا. بعد هذا العشاء الفاخر اطلعنا الرفيق على الوضع السياسي والتطورات الميدانية العسكرية. دعاني بعدها لألعب معه لعبته المفضلة الشطرنج، ولغاية اليوم لا أعرف سبب خسارته اللعبة معي: اهو سوء الحظ او الارهاق الذي اصابه او الاثنين معًا.

قبل مغادرته دعاني للجلوس معاً على انفراد حيث أبلغني بانه علينا ان نستعد لمغادرة بيروت في الليلة القادمة، وأنّ الأمور تتطور بسرعة، وهناك احتمال لخروج منظمة التحرير الفلسطينية قريبًا، وبالتالي يمكن لقوات الاحتلال ان تقتحم العاصمة مع عملائها في الداخل.

بداية رفضت القرار بقوة، لكن امام المسببات الموجبة لهذا القرار والاصرار من قبل القيادة وافقنا على المغادرة. كانت خطة المغادرة التي وضعها وحضر لها الرفيق مأمون هي بان ننتقل كل منا على حده بلباس مموّه للجيش اللبناني بسيارات وبرفقة عناصر موثوقة لعبور حواجز العدو وعملاءه لغاية منطقة البقاع بعد أن تم اخذ مقاس الرفاق الخمسة كي يتم اختيار اللباس المناسب.

 بعد تحرير بيروت والجبل والقسم الأكبر من الجنوب، التقيت مجددًا بالرفيق مأمون. كان هذا خلال المؤتمر الخامس لحزبنا عام ١٩٨٧، الذي انعقد بشكلٍ سري في منطقة الرميلة الساحلية بسبب الظروف الصعبة التي كان يمر بها حزبنا من اغتيالات ومجازر بحق افراده. كنت يومها مشاركًا بصفة مندوب عن المقاومة الوطنية اللبنانية مع عدد من الرفاق فتعانقنا وفرحنا لهذا اللقاء. اثناء استراحة قصيرة جلسنا سويًا جانبًا، تبادلنا الذكريات والأحداث. اظهرت له عتبي على قرار الحزب بإخراجي من لبنان عام ١٩٨٢، والذي استطعت كسره والعودة لأقوم بواجبي الحزبي تجاه وطني لبنان في مقاومة الاحتلال.  ذكرته بالبدايات بعد اجتياح عام ١٩٧٨ بالمهمة التي اوكلت اليه لبناء التشكيلات الاولى في مقاومة الاحتلال. تذكرنا سويًا اسماءً عديدة من الرفاق الذين التحقوا منذ البدايات منهم من استشهد او جرح او اسر خلال تأدية واجبهم.

 

تعاهدنا بان نبقى أوفياء لأفكارهم وقضاياهم في بناء وطن تسود فيه العدالة والتقدم والازدهار. تعاهدنا بأن نبقى حراساً لهذه السنديانة الحمراء الشامخة. كانت كلمتك يا رفيقي في هذا المؤتمر باسم القوات الأمنية المركزية للحزب مجبولة بنضالات وتضحيات الرفاق المعلومين والمجهولين منهم.

في يوم الشهيد الشيوعي والذي يصادف يوم فراقك

ألف تحية لك رفيقنا القائد حارس سنديانتنا الحمراء.

المجد والخلود لك ولكافة شهداء حزبنا.

 

من أوراق المقاومة