"إسرائيل" في هوليوود.. لمسة ناعمة لتوجيه الوعي

  محمد أبو ضلفة - خاص بوابة الهدف
متفرقات
قبل ست سنوات، وبلغة صريحة ومباشرة، قال رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو: "انتجوا أفلامًا عن إسرائيل" وذلك خلال لقائه عددًا من نجوم هوليوود الكبار، منهم: ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو وبن أفيلك، والمخرجيْن: كلينت إيستود وجيمس كاميرون.

في الحقيقة، هذا الطلب كان مُجابًا في هوليوود منذ أكثر من 50 عامًا، لكن يبدو أن المعنى الحقيقي لطلب لنتنياهو لا يتمثل بصناعة الأفلام عن "إسرائيل"، بقدر اهتمامه بصناعة المحتوى وتوجيه الوعي تجاهها بهدف تحسين صورتها كدولة "إنسانية تعددية تدعم الحقوق"، وكل ذلك بطرق جذابة وغير مباشرة.

تمثّلَ ذلك بترك اللوبي الصهيوني، الذي يُسيطر على أهم مقاليد هوليوود، للسرد المباشر الداعم لـ "إسرائيل" الذي انعكس على حقبة الأفلام بعد نكسة 1967، التي تسببت بتشريد عدد كبير من الفلسطينيين. حينها وقعت السينما الأميركية في مأزق تراجع شعبيتها لدى الجمهور الذي شاهد صور فظائع "إسرائيل" في فلسطين. وعليه، عمدت إلى إتباع خط جديد يتمثل في إظهار اليهود كـ "ضحايا الإرهاب العربي" وعملت على إظهار قدرات الجيش "الإسرائيلي" الأمنية وإمكانياته وقدرته على ردع من يُحاول المسَّ بـ "إسرائيل".

انتهت هذه الحقبة وهذا السرد المباشر عن البطولة "الإسرائيلية" مع بداية عصر السينما المنزلية، وتضاعفت أعداد المشاهدين على المنصات الإلكترونية بدلًا من الذهاب إلى قاعات السينما أو انتظار البث الاعتيادي على القنوات التلفزيونية التقليدية.

آخر تلك التوجهات غير المباشرة تمثلت بإعلان "الممثلة الإسرائيلية" غال غادوت عن تعاون مع المخرجة باتي جينكينز وكاتبة السيناريو لاتا كالوجريديس لتجسيد شخصية ملكة مصر الشهيرة، في فيلم بطريقة "لم يسبق لها مثيل، لأنه سيكون من خلال عيون النساء، خلف الكاميرا وأمامها".

إلا أن الذي لا تقوله غال غادوت عن هذه الطريقة، ببساطة، لا يتمثل بالتدخل المباشر في سياق الأحداث في الحقبة الفرعونية، فذلك مبالغ فيه حتى على الادّعاء "الإسرائيلي"، إنما يتمثل بتجسيد الشخصية من قبل ممثلة "إسرائيلية"، خدمت في الجيش "الإسرائيلي"، وتدعمه بشكل صريح.

وتضمن إعلان غادوت دعوة النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، اللواتي يطمحن إلى رواية القصص، لـ "التمسك بأحلامهن وأن يجعلنّ أصواتهن مسموعةً، من قِبل النساء الأخريات ومن أجلهن".

وفي تناقضٍ صارخ، تصدُر هذه التصريحات حول أصوات النساء وأحلامهن عن شخصيات فاحشة الثراء، ثرواتُها بُنيت على فقر ومعاناة الجماهير، خاصة الجماهير الأنثوية.


بهذا الشأن، يقول الصحافي المغربي المختص في شؤون التلفزيون والسينما العالمية رضوان رغيب: إن السردية الإسرائيلية الحالية هي الأخطر والأكثر فعالية في التأثير على المُتلقّي العربي".

ويُبيّن رغيب لـ بوابة الهدف، أن هذه الخطورة "تكمن في أن سردية إسرائيل الحالية ليست مباشرة، وتعمل على فترات زمنية طويلة بلمسة خفيفة لتوجيه الوعي نحو قبول التواجد الإسرائيلي، بل زرع فكرة شرعية وجوده".

ويضيف أن "ذلك يتم من خلال أسلوبين أساسيين، يعتمدان إمّا على تزوير الحقائق والأحداث، أو تدليسها بالتركيز على أجزاء معينة منها وإظهار نصف الصورة فقط من أجل كسب التعاطف".

ويضرب رغيب في مسلسل The Spy الذي أنتجته شبكة نتفليكس الأميركية مثالًا على ذلك، إذ يوثّق المسلسل قصة الجاسوس الإسرائيلي في دمشق إيلي كوهين "كامل أمين ثابت"، ويركز على جوانب معينة من الشخصية سواء بخلقها أو تلفيقها.

"أظهر المسلسل شخصية كوهين كمواطن إسرائيلي صالح، هدفه العيش بسلام داخل وطنه، وهذه سردية تؤثر بشكل كبير على الجيل الصاعد الذي لم يُعاصر الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، وهو بالمناسبة الشريحة الأكبر من متابعي المنصة من حول العالم"، يقول الصحافي رغيب.

ويشير إلى أن المسلسل اختار أن يُرجِع سبب كشف غطاء الجاسوس "الإسرائيلي" إلى حرصه الشديد على إيصال معلومات حساسة وعاجلة للقيادة الإسرائيلية، رغم معرفته أن البث اللاسلكي الذي يستخدمه بات مراقبًا وأن معرفة مكان المرسل الدقيق أصبح مسألة وقت فقط، إلا أن الرواية الإسرائيلية الرسمية التي وردت على لسان قادة الموساد في ذلك الوقت تؤكد أن كشف أمر كوهين كان بسبب استهتاره وعدم اهتمامه لأبسط احتياطات الأمان المُوصى بها، ظنًا منه أنه فوق كل الشبهات.

كذلك تعرض "نتفليكس" فيلم The Angel، الذي يتناول قصة العميل المصريّ أشرف مروان، المثيرة للجدل، متبنيًا الرواية "الإسرائيلية" حولها، إذ يعرض شخصية مروان كأنه البطل القوميّ الذي أنقذ "إسرائيل"، من خلال إعلام المخابرات "الإسرائيلية" بموعد القصف السوريّ المصريّ المشترك، وأن كل هدفه من ذلك ليس إنقاذ "إسرائيل" بالتحديد، إنما "السلام والاستقرار العالمي"، وهذه بالمناسبة الحجّة نفسها التي تُساق وتُدس بين سطور اتفاقيات التطبيع التي تم توقيعها مؤخرًا.

بالعودة إلى غال غادوت التي تدعي دعم الفتيات والمرأة والحقوق المختلفة، يبدو أنها فهمت اللعبة الجديدة وامتنعت عن تكرار تغريدات سابقة في عام 2014 على وسم #LoveIDF، تكريمًا وحبًا لجيش الاحتلال، وذلك خلال العدوان على قطاع غزة الذي استمر 50 يومًا، واستهدف المدنيين العزل ومنهم الفتيات والنساء، إذ راح ضحيته 2251 فلسطينيًا في غزة، بينهم 551 طفلاً و299 امرأة.

وُلدت غادوت في مستوطنة بتاح تكفا عام 1985، وتُوّجت ملكة جمال "إسرائيل" عام 2004، وعملت كمُجنّدة في الجيش "الإسرائيلي" خلال هجوم "الجيش المحبوب" بنظرها، الذي استمر 34 يومًا على لبنان، صيف 2006، وأودى بحياة حوالي 1200 شخص، غالبيتهم مدنيون.

ولأن غادوت وجنكينز تتعاونان الآن مع شركة "باراماونت بيكتشرز"، لإنتاج فيلم كليوباترا الجديد، بهدف إخبار قصتها "من وجهة نظر نسائية" ظاهريًا، أثارت وسائل الإعلام مرة أخرى جدلًا كبيرًا، حيث ورد في تقرير نشره موقع ديدلاين هوليود الإلكتروني أن "غادوت سترتدي قريبًا تاج المرأة الخارقة الحقيقية في التاريخ"، وهي كيلوبترا.

تشارك في إنتاج الفيلم شركة "بايلوت ويف موشين بيكتشرز"، وهي شركة من تأسيس غادوت وزوجها جارون فرسانو، الذي يعمل مطورا عقاريًا، إذ ورد في 2015، أن فارسانو باع فندقه الذي يُحمل نفس اسمه، ويقع في "تل أبيب"، مقابل 26 مليون دولار لرجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي لكرة القدم وممول مشاريع الاستيطان الصهيونية البارز. (1)

في الواقع، لا ينبغي اختزال هذه القضية في مجرد موضوع الجمال الأنثوي المتصوَّر لبطلة الفيلم، إذ يشير تقرير "ديدلاين هوليوود" أيضًا إلى أن مشروع الفيلم نفسه كان فكرة غادوت، لكن مكرَ ودناءة هذا الاتفاق تتماشى مع سياق الممارسات الوحشية "الإسرائيلية" المستمرة وافتراسها للأراضي الفلسطينية، حيث يخدم اغتصاب غادوت الفعّال لدور كليوباترا في الأساس أغراضًا سياسية بحتة.

كما يأتي هذا الاتفاق ليعكس الاستعمار وتحريف التاريخ وهو الأمر الذي تبرع فيه "إسرائيل". كما أن تجسيد غادوت للاستشراق المتشدد الذي يتسم بالبهجة والتفاؤل في آن واحد يخدم حملة التطبيع الإسرائيلية، إذ ستنتشر الدعاية ذات الأغراض الخبيثة على المسرح وسائر المنصات قريبًا.

ويمكن النظر إلى مشروع هذا الفيلم من زاوية أخرى، معها يمكن الإحساس باللمسة الخفيفة التي قد تُحدِث فارقًا كبيرًا في الوعي لدى الجمهور، الذي سيتلقى مشهد ملكة تاريخية حكمت بقعة من أهم بقاع العالم القديم، في فيلم من تجسيد ممثلة "إسرائيلية" تدعم كل ما هو صهيوني؛ أليس هناك أية فرصة لقول: إن هناك تشابهًا بينهما؟! هناك صلة؟ نحن لسنا مختلفون إلى هذا الحد؟

مع هذا الفيلم وغيره من منظومة السردية "الإسرائيلية" الجديدة، وموجات التطبيع الحالية مع الاحتلال التي قد تؤثر بشكل أو بآخر على شرائح شعبية مستعدة لقبول الاحتلال، هذه الشرائح الشابة تلقّت العديد من المحتوى الموجه بشكل غير مباشر لقبول "إسرائيل".

ما يؤكد ذلك، أن في عام 2017، أشاد الرئيس "الإسرائيلي" رؤوفين ريفلين بالممثلة نفسها، ووصفها بأنها "سفيرة حقيقية ومحبوبة لإسرائيل"، ثم في 2018، صنفتها مجلة "تايم" واحدةً من أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، وهذا كله وهي تدعم "إسرائيل" بكل تصرفاتها وسياساتها. بينما احتفل موقع "هونيست ريبورتينغ"، الذي يزعم أنه "يدافع عن إسرائيل ضد التحيز الإعلامي"، احتفل بغادوت، على اعتبارها "إحدى أعظم صادرات إسرائيل". فهي- بنظره- ملكة جمال تحوّلت إلى ممثلة "تستخدم منصتها العالمية لارتداء ذلك التاج بفخر في محاولة منها لدرء محاولات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات من التسلل إلى قطاع الثقافة".

مقال للكاتبة بيلين فرنانديز، وهي محررة مساهمة في مجلة Jacobin، (1)