الجمعة، نيسان/أبريل 26، 2024

بيان الذكرى ال97 لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني

  المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني
بيانات
لاستكمال المواجهة ضد المنظومة الحاكمة ونظامها وإحياء الذكرى في المناطق والمشاركة الواسعة في أعمال المؤتمر 12

تحلّ الذكرى السابعة والتسعون لتأسيس حزبنا الشيوعي اللبناني لتتوّج مساراً طويلاً ومشرّفاً من النضالات، السياسية الوطنية والطبقية والاجتماعية، في كل ساحات النضال وميادينها من أقصى لبنان إلى أقصاه. سبعة وتسعون عاماً مضت على تأسيس حزب السنديانة الحمراء في ذاك الاجتماع التاريخي في بلدة الحدث يوم 24 تشرين الأول عام 1924. سبعة وتسعون عاماً من النضال والكفاح والمقاومة خاضها حزبنا ضد المشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية، دفاعاً عن شعبنا وكرامته الوطنية ومن أجل تحرره الوطني والاجتماعي، على طريق بناء الاشتراكية. لم يكن هذا التاريخ الذي سطّرته أجيال متعاقبة من الشيوعيين اللبنانيين عادياً، ولم يتوان الشيوعيون منذ التأسيس عن تلبية المهام المطلوبة منهم، فكانوا في المقدمة. أمينان عامان، فرج الله الحلو وجورج حاوي، وآلاف الشهداء على دروب المواجهة الوطنية: من معارك الاستقلال عن الانتداب الفرنسي إلى النضال ضد الحركة الصهيونية منذ بداية هجرتها إلى فلسطين، مروراً بنضالات الطبقة العاملة والحركة الطلابية، وصولاً إلى تشكيل الحرس الشعبي وقوات الأنصار وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، والتصدّي لمشاريع التقسيم والفدرلة الطائفية، الى شهداء الفكر والكلمة وانتفاضة 17 تشرين المجيدة التي كان لحزبنا دوره الوطني الأساسي الفعّال فيها.

التحيّة، كل التحية، لهؤلاء جميعا، وللذين يواجهون اليوم في معارك الدفاع عن قضاياهم، قضايا الطبقة العاملة وفقراء الوطن، ويواجهون كل أشكال الاستغلال والاحتلال ونظام الطائفية البغيض والظلم والاستبداد والهيمنة، كما يواجهون بالصلابة ذاتها المشاريع الأميركية الصهيونية ومعها كل اشكال التطبيع في المنطقة ولبنان بخاصة. فبدل ان تلتزم الحكومة بخط الهدنة في ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة وتبادر الى تعديل المرسوم 6433 وارساله الى الامم المتحدة حفاظا على حقوق لبنان النفطية وفق الخط 29، لا تزال تعتمد اتفاق الأطار الذي سبق ورفضناه بكل مندرجاته محذرين من نتائجه التي بدأت تتوالى. وها هو عاموس هوكشتاين المستوطن الصهيوني الذي خدم في جيش الاحتلال لثلاث سنوات، يجول كوسيط اميركي على الرؤساء الثلاثة وعلى قادة سياسيين وأمنيين ويقود المفاوضات طارحاً تكليف شركة لاستخراج الغاز من المنطقة البحرية المتنازع عليها، وتقاسم العائدات ما بين لبنان والعدو الصهيوني، ليكرّس بذلك عملية التطبيع السياسي والاقتصادي بين لبنان والعدو الصهيوني وهو موقف مدان ومرفوض ومعطوف ايضا على محاولة جر الغاز المسروق من فلسطين المحتلة عبر انبوب الغاز المصري والذي تفوح منه رائحة التطبيع الهادفة لتوفير أمن الطاقة المشترك مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يتطلب مواجهة حلقات هذا المسلسل وايقافه.

المنظومة الحاكمة هي هي: من خلال نظام المحاصصة الطائفية من أفقر الشعب اللبناني وهجّره وأهدر مدخراته وماله العام والخاص وهرّب المليارات إلى الخارج، وأمعن في تقسيم اللبنانيين طائفياً ومذهبياً وزجّ بهم في مواجهة بعضهم بعضاً، وهدر السيادة الوطنية إلى حد التطبيع مع العدو الصهيوني إرضاءا وتوسّلاً للأميركيين.

واليوم، تحلّ الذكرى هذا العام متلازمة مع مرور سنتين على انتفاضة شعبنا المستمرة في 17 تشرين. حقبةٌ لم يشهد لبنان مثيلا لها من قبل في دلالاتها السياسية والوطنية ضد النظام الطائفي ومنظومته الفاسدة. كانت عنواناً لأسوأ انهيار اقتصادي – مالي في التاريخ المعاصر لشعوب العالم، انعكس انهياراً اجتماعياً جثم بثقله فوق صدور اللبنانيين مهدداً حياتهم ومستقبلهم وإدخاراتهم ومصادر رزقهم، وأوصلهم إلى الجوع والبطالة والموت، إن لم يكن بانفجارات فسادهم، فعلى أبواب المستشفيات أو بجائحة الكورونا أو بجريمة انفجار المرفأ. منظومة حاكمة متسلطة ومستبدة تحاصصت ونهبت وأفسدت وسقطت حكوماتها المتعاقبة أمام الرفض الشعبي، وها هي اليوم تعاود رسم المسار عينه من خلال تشكيل حكومة على وقع تفاهم دولي – اقليمي – داخلي سرعان ما بدا عجزها وتعطلت بعد تشكيلها على أساس المحاصصة، ليتواصل معها هدر المال العام وحماية الريوع وأرباح المصارف، وترسيخ الفروقات الطبقية وإيصال البلد إلى الإفلاس الكامل وتهديد السلم الاهلي، والارتفاع الجنوني بأسعار المحروقات.

لقد وجدت المنظومة الحاكمة في إستخدام العنف والاقتتال الداخلي وسيلة للتغطية على جرائمها في نهب المال العام وفي تفجير المرفأ. فاليوم، وبعد كل هذه الجرائم التي لم يحاسب عليها أحد من المسؤولين، وفي ظل عجز المنظومة الحاكمة عن إيجاد الحلول لأزمات نظامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تدخل البلاد مرحلة جديدة من العنف في الخطاب السياسي والصدام والاقتتال الأهلي بطابعه المذهبي والطائفي، لفرض فدرالية الأمر الواقع وهو ما إستحق ويستحق من جانبنا الرفض والادانة لاعادة أجواء الحرب الأهلية.

ويشكّل مسار تعطيل التحقيق بجريمة انفجار المرفأ وما رافقه من تجييش طائفي وزجّ للناس في مواجهة بعضها البعض، قمّة التعبير عن وقاحة أولئك المتسمكين بهذا النظام الطائفي والطبقي البغيض ورموزه وقياداته السياسية والأمنية على حساب دماء اللبنانيين، فيما شكّلت أعمال القنص على المدنيين في منطقة الطيونة قمّة التعبير عن الإجرام الذي يتوسّل استعادة أجواء الحرب الأهليّة والتقسيم والكانتونات. لقد خدمت هذه الجرائم وانقساماتها الطائفية - المذهبية المشروع الاميركي -الصهيوني وصبت لمصلحته، بقدر ما شدّت العصب الطائفي والمذهبي عشية تحضير أطراف المنظومة الحاكمة للانتخابات النيابية. إن الاقتتال الاهلي وإقامة الفدراليات الطائفية والمذهبية، على إختلاف صيغها بقوة الامر الواقع، إنما تستهدف شرذمة اللبنانيين وتقسيمهم، كما تستهدف بشكل خاص الشيوعيين والوطنيين واليساريين والعلمانيين والوطنيين والديمقراطيين وكل التقدميين واللاطائفيين بوجودهم وهويتهم. كل ذلك ليس الا وسيلة لطمس وتغييب القضية الأساسية التي يعاني منها اللبنانيون، أي تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي تتحمّل مسؤوليته أطراف المنظومة الحاكمة بهدف منع التغيير، وعدم دفع الثمن، والتهرب من المحاسبة، ولكي يحفظ كل طرف من أطرافها موقعه وحصته في التسوية المقبلة.

وفي ظلّ قيام هذه القوى بالتجييش الطائفي وزج الناس بمواجهة بعضهم البعض وسقوط ضحايا وجرحى، كان زعماء هذه الكتل يتبادلون التفاهمات والاتفاقات لإقرار التعديلات في مجلس النواب وكأن شيئاً لم يكن، في إهانة صارخة للشعب اللبناني عموماً ولأهالي الضحايا. ويدين الحزب الكتل النيابية التي أكدت على إجراء الانتخابات وفق قانون الانتخابات النيابية المذهبي نفسه، ضاربةً بعرض الحائط كل المطالب الشعبية باعتماد النسبية خارج القيد الطائفي في الدائرة الواحدة وخفض سن الاقتراع واعتماد الكوتا النسائية والاقتراع مكان السكن.

واذ ندعو القوى الأمنية إلى تحمل مسؤولياتها، ندعو إلى إستكمال التحقيق العدلي ليأخذ مجراه القانوني بشفافية، من أجل كشف الحقيقة وضمان حقوق أهالي الضحايا، ومحاسبة كل المرتكبين مهما علا شأنهم وإلى أية جهة انتموا، سواء في الداخل أو الخارج. إنّ الضمانة الوحيدة للشعب اللبناني لن تكون سوى بالانتقال إلى الدولة العلمانية الديمقراطية، التي تحمي إستقلالية القضاء وتكفّ يدّ التدخلات المحلية والخارجية عنه، لوضع المواطن وحقوقه الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية فوق كل اعتبار.

وفي الختام، نوجه دعوتنا الى كل الرفاق لاحياء الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس الحزب والى تنظيم نشاطات وتحركات في المناطق اللبنانية كافّة، وإلى تعزيز المواجهة في كل المحطات والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضد المنظومة الحاكمة ونظامها وجنبا إلى جانب مع شعبنا في نضالاته من أجل التغيير والعدالة والتقدم. كما ندعو - في هذا الظرف الخطير الذي تحاول فيه اطراف المنظومة الحاكمة الى تحويل الصراع الى صراع طائفي- الى تجميع وتوحيد كل القوى والفعاليات العلمانية والمدنية واللاطائفية الرافضة للأقتتال الأهلي والتواقة للتحرر من النظام الطائفي، الى الالتقاء تحت عنوان رفض العودة إلى خطاب الحرب المذهبية ورفض الفدرلة والكانتونات والتجييش الطائفي المقيت بكلّ أشكاله، دفاعاً عن وحدة لبنان ومنعاً لجرّه إلى الاقتتال والانقسام المذهبي.

كما ندعو الشيوعيين والمنظمات الحزبية إلى الانخراط الجدي والكثيف في تحضيرات المؤتمر الثاني عشر لحزبنا، والذي سيفتتح في 22 كانون الثاني 2022، عبر المشاركة في المؤتمرات والجمعيات العامة الفكرية والسياسية والتنظيمية التي انطلقت منذ أيام، وتقديم الاقتراحات والأفكار والتوصيات التي تغني المؤتمر. كما يعلن الحزب في هذا الاطار أنه سينظم عدداً من الورش الفكرية والسياسية بمشاركة قوى وشخصيات سياسية وفكرية وثقافية لبنانية وعربية ودولية خلال فترة التحضير للمؤتمر.

عاشت الذكرى السابعة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني،

والمجد والخلود للشهداء الأبرار.

23 تشرين الأول 2021

المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني